قوله: ألا وإن ما حرم رسول الله.. إلخ، يدل على أن ما لم يحرمه الرسول لم يكن حراما من جانب الله، ولم يكن مثل ما حرم الله، وهذا وسابقه تفسير لقوله تعالى: ما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا.
ثم إن الغرض من وضع هذه المقدمة بيان أنه لا وجه لإنكار الطائفة الوهابية على فرق المسلمين - خصوصا الإمامية - أمورا لم يرد من الشرع فيها نهي وزجر، وإن الحكم فيها بالانتهاء والارتداع جزما وحتما خلاف ما عليه كتاب الله وسنة رسوله، بل يكون بدعة لأنه إدخال ما ليس من الدين في الدين، وحكم بغير علم، واحتمال كونه من الدين لا يصيره من الدين، وإلا لما كان معنى لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: وما نهيتكم عنه فانتهوا بنحو القضية الشرطية المستفاد منها عدم الانتهاء عند عدم النهي.
المقدمة الثانية: في بيان أن من القواعد الشرعية أصولا وفروعا قاعدة التأويل والاجتهاد، والغرض من تمهيد هذه المقدمة بيان أن أناسا من هذه الأمة أخذتهم العصبية والجهالة، فزعموا أنها الهداية والديانة، فجعلوا يخاطبون من عداهم - ممن ليس على مذهبهم وعلى طريقتهم - يا كافر ويا مشرك ويتعدون عليهم في أماكنهم، والبقاع التي تحت سلطتهم، بالضرب والسب والشتم خلافا لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم، واعتداءا منهم على المسلمين، إذ ليس فيما أقدموا عليه من التعدي في الكتاب والسنة عين ولا أثر!
والعجب: مع ذلك أنهم يجعلون أنفسهم من أهل السنة، والحال أن السنة النبوية، والشريعة العامة المحمدية - مضافا إلى سيرة المسلمين والعلماء وأئمة المذهب - على خلاف صنعهم، والإنكار على أفعالهم!!
قال ابن تيمية في ص 19 من الجزء الثالث من (منهاج السنة، في الجواب