وإذا كان استحقاق الذم والعقاب منفيا عن الأنبياء عليهم السلام وجب أن تنتفي عنهم ساير الذنوب، ويصير الخلاف بين الشيعة والمعتزلة متعلقا بالإحباط، فإذا بطل الاحباط فلا بد من الاتفاق على أن شيئا من المعاصي لا يقع من الأنبياء (ع) من حيث يلزمهم استحقاق الذم والعقاب.
لكنه يجوز أن نتكلم في هذه المسألة على سبيل التقدير ونفرض أن الأمر في الصغائر والكبائر على ما تقوله المعتزلة، ومتى فرضنا ذلك لم نجوز أيضا عليهم الصغائر، لما سنذكره ونبينه إن شاء الله تعالى.
- وقال أبو الصلاح الحلبي في الكافي ص 67:
ومن حق المبعوث أن يكون معصوما فيما يؤديه من المصالح والمفاسد.
من حيث كان تجويز الخطأ عليه في شئ من ذلك عن سهو أو عمد ترفع الثقة بشئ مما جاء به، ويمنع من امتثاله، لوقوف الامتثال على علم المكلف كون ما أمر به صلاحا وما نهى عنه فسادا، وتجويز الخطأ عليه يرفع الثقة بشئ مما أتى به. فوجب لذلك القطع على عصمته فيما يؤديه.
ولهذا الاعتبار أجمع المسلمون على عصمة الأنبياء عليهم السلام في الأداء، لعلمهم بأن تجويز الخطأ فيه يسقط فرض الشرائع فعلا وتركا.
ومن حقه أن يكون معصوما من جميع القبائح صغائرها وكبائرها، لأن تجويز القبيح عليه يقتضى التنفير عنه، لأن من علم مواقعا للقبيح أو جوز عليه ذلك تنفر النفوس عن اتباعه ولا تسكن إليه سكونها إلى من لا يجوز منه القبيح، إذا كان الغرض في بعثة النبي صلى الله عليه وآله العمل بما يأتي به، وكان ذلك فرعا لصدقه، الموقوف على النظر في معجزة، المتعلق بحصول داع إليه.
وجب تنزيهه عن كل شئ نفر عنه...