الإيمان والكفر - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٨٢
1 - الإسلام في مقابل الإيمان:
ربما يطلق القرآن لفظ الإسلام على من أسلم لسانا، ولم يصدق قلبا فيريد من الإسلام التسليم لسانا ومن الإيمان، التصديق قلبا يقول سبحانه: * (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم) * (الحجرات - 14) فقد جعل الإسلام في مقابل الإيمان وأريد من الأول، التسليم اللساني دون القلبي، فبالتالي دون التصديق كذلك وعن الثاني التسليم القلبي، ولأجل الاختلاف في المتعلق صارا متقابلين ونظيره قوله سبحانه: * (لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم) * (المائدة - 41) فأثبت الإيمان بالأفواه وسلبه عن قلوبهم.
وهذا يؤيد ما قلناه من أن الإسلام والإيمان يمشيان جنبا إلى جنب ما لم يقيد أحدهما باللسان والآخر بالقلب.
وفي هذا القسم من الاستعمال يقول الزجاج: " الإسلام إظهار الخضوع والقبول لما أتى به الرسول - إلى أن قال: - فإن كان مع ذلك الإظهار، اعتقاد وتصديق بالقلب، فذلك الإيمان وصاحبه المؤمن المسلم حقا فأما من أظهر قبول الشريعة، واستسلم لدفع المكروه فهو في الظاهر مسلم، وباطنه غير مصدق وقد أخرج هؤلاء من الإيمان، بقوله: * (ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) * أي لم تصدقوا بعد بما أسلمتم تعوذا من القتل، فالمؤمن يبطن من التصديق، مثل ما يظهر، والمسلم التام الإسلام، مظهر للطاعة وهو مع ذلك مؤمن بها والذي أظهر الإسلام تعوذا من القتل غير مؤمن في الحقيقة إلا أن حكمه في الظاهر حكم المسلمين. وروى أنس عن النبي قال: الإسلام علانية والإيمان في القلب وأشار إلى صدره (1).

1. الطبرسي: مجمع البيان: 5 / 138.
(٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 ... » »»