فحب الصحابي بما هو صحابي أمر، وتوصيف أعماله وأفعاله - إن خيرا فخير وإن شرا فشر - أمر آخر يهدف إلى الموضوعية في البحث، والقضاء والابتعاد عن العشوائية في الاعتقاد، " والجبرين " لا يفرق بين الأمرين ويضربهما بسهم واحد لغايات سياسية.
إن صحبة الصحابة لم تكن بأكثر ولا أقوى من صحبة امرأة نوح وامرأة لوط فما أغنتهما من الله شيئا، قال سبحانه: * (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين) * (1).
إن التشرف بصحبة النبي لم يكن أكثر امتيازا وتأثيرا من التشرف بالزواج من النبي، وقد قال سبحانه في شأن أزواجه: * (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا) * (2).
وكما أنهم كانوا مختلفين في السن عند الانقياد للإسلام، كذلك كانوا مختلفين أيضا في مقدار الصحبة، فبعضهم صحب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من بدء البعثة إلى لحظة الرحلة، وبعضهم أسلم بعد البعثة وقبل الهجرة، وكثير منهم أسلموا بعد الهجرة وربما أدركوا من الصحبة سنة أو شهرا أو أياما أو ساعات.
فهل يصح أن نقول: إن صحبة ما قلعت ما في نفوسهم جميعا من جذور غير صالحة وملكات رديئة وكونت منهم شخصيات ممتازة أعلى وأجل من أن يقعوا في إطار التعديل والجرح.
إن تأثير الصحبة عند من يعتقد بعدالة الصحابة كلهم أشبه شئ بمادة كيمياوية تستعمل في تحويل عنصر كالنحاس إلى عنصر آخر كالذهب، فكأن