في مثل هذا الزعم افتراء على الواقع، واعتداء على الخلق، ومسايرة ضئيلة الشأن لبعض الآراء، يغلف ذلك جميعا منطق ساذج وحجة مصطنعة واهية. وفيه ما هو أخطر من ذلك، فيه تضليل عن حقائق أساسية في بناء التاريخ، إذ يحاول صاحب هذا المسعى الفاشل أن يحصر أحداث عصر بكامله، بل عصور كثيرة، بإرادة فرد يطوف في الأمصار ويؤلب الناس على دولة فيثور هؤلاء الناس على هذه الدولة لا لشئ إلا لأن هذا الفرد طاف بهم وأثارهم!.
أما طبيعة الحكم، وسياسة الحاكم، وفساد النظام الاقتصادي والمالي والعمراني، وطغيان الأثرة على ذوي السلطان، واستبداد الولاة بالأرزاق، وحمل بني أمية على الأعناق، والميل عن السياسة الشعبية الديمقراطية إلى سياسة عائلية أرستقراطية رأسمالية، وإذلال من يضمر لهم الشعب التقدير والاحترام الكثيرين أمثال أبي ذر وعمار بن ياسر وغيرهما، أما هذه الأمور وما إليها جميعا من ظروف الحياة الاجتماعية، فليست بذات شأن في تحريك الأمصار وإثارتها على الأسرة الأموية الحاكمة ومن هم في ركابها، بل الشأن كل الشأن في الثورة على عثمان لعبد الله بن سبأ الذي يلفت الناس عن طاعة الأئمة ويلقي بينهم الشر.
أليس من الخطر على التفكير أن ينشأ في الشرق من يعللون الحوادث العامة الكبرى المتصلة اتصالا وثيقا بطبيعة الجماعة وأسس الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية بإرادة فرد من عامة الناس يطوف في البلاد باذرا للضلالات والفساد في هذا المجتمع السليم.
أليس من الخطر على التفكير أن نعلل الثورات الإصلاحية في التاريخ تعليلا صبيانيا نستند فيه إلى رغبات أفراد في التاريخ شاءوا أن يحدثوا شغبا فطافوا الأمصار وأحدثوه " (1).