أضواء على عقائد الشيعة الإمامية - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٥٩٩
بديهة العقل تحكم أن الاكتفاء بالسمع في عامة الأصول مستلزم للدور، وتوقف صحة الدليل على ثبوت المدعى وبالعكس.
إن رفض العقل في مجال البرهنة على العقيدة - من قبل بعض الفرق طبعا - صار سببا لتغلغل عنصر الخرافة في عقائد كثير من الطوائف الإسلامية، وفي ظل هذا الأصل، أي إبعاد العقل، دخلت أخبار التجسيم والتشبيه في الصحاح والمسانيد عن طريق الأحبار والرهبان الذين تظاهروا بالإسلام، وأبطنوا اليهودية والنصرانية، وخدعوا عقول المسلمين، فحشروا عقائدهم الخرافية بين المحدثين والسذج من الناس اغترارا بإسلامهم وصدق لهجتهم.
إن من مواهبه سبحانه أنه أنار مصباح العقل في كل قرن وزمان ليكون حصنا أمام نفوذ الخرافات والأوهام، وليميز به الإنسان الحق عن الباطل فيما له فيه حق القضاء، إلا أن هذا لا يعني أن المرجع الوحيد في العقيدة هو العقل دون الشرع، وإنما يهدف إلى أن اللبنات الأولية لصرح العقيدة الإسلامية تجب أن تكون خاضعة للبرهان، ولا تناقض حكم العقل.
وعندما تثبت الأصول الموضوعية في مجال العقيدة وتثبت في ظلها نبوة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، يكون كل ما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) حجة في العقائد والأحكام، لكن بشرط الاطمئنان بصدورها عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله).
وقد خرجنا في هذه المقدمة الموجزة بثلاث نتائج:
الأولى: أن العقيدة الإسلامية عقيدة سهلة يمكن اعتناقها بيسر دون تكلف.
الثانية: أن المطلوب في العقائد هو الإذعان وعقد القلب، وهذا لا يحصل إلا بعد ثبوت المقدمات المنتهية إليه، وليس من شأن أخبار الآحاد خلق اليقين والإذعان ما لم يثبت صدورها عن مصدر الوحي على وجه القطع واليقين، بخلاف الأحكام، فإن المطلوب فيها هو العمل تعبدا.
(٥٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 594 595 596 597 598 599 600 601 602 603 604 ... » »»