فتارة يدعو الإنسان إلى التأمل فيما حوله من الكائنات لما فيها من دلائل ناطقة على وجوده سبحانه وصفاته. قال سبحانه: " أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها * رفع سمكها فسواها * وأغطش ليلها وأخرج ضحاها * والأرض بعد ذلك دحاها * أخرج منها ماءها ومرعاها * والجبال أرساها * متاعا لكم ولأنعامكم " (1).
وأخرى يدعوه إلى التفكير والاستدلال المنطقي، فقال سبحانه: {أم خلقوا من غير شئ أم هم الخالقون * أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون} (2) فعالج المشاكل العلمية والفلسفية تارة بالدعوة إلى النظر في الكون نظرة ثاقبة فاحصة، وأخرى بالحث على التفكير في المعارف بأسلوب منطقي وبرهاني، وبذلك أيقظ عقول المسلمين وحثهم على التأمل والتدبر في العلوم المختلفة، دون التقليد الأعمى والتتبع غير المتبصر، وجعل لأولئك المكانة المتميزة.
غير أن المسلمين سوى قليل منهم تنكبوا عن هذا الطريق، خصوصا فيما يرجع إلى المعارف العليا، فصاروا بين مشبه ومعطل، فالبسطاء منهم بنوا عقائدهم بالجمود على المفردات الواردة في الكتاب والسنة، وبذلك استغنوا عن أي تعقل وتفكر، إلى أن بلغت جرأتهم إلى حد قال بعضهم في الخالق: اعفوني عن الفرج واللحية واسألوني عما وراء ذلك (3)!!! فهؤلاء هم المجسمة والمشبهة، وأما غيرهم فاختاروا تعطيل العقول عن التفكر في الله سبحانه، فقالوا: أعطينا العقل لإقامة العبودية لا لإدراك الربوبية، فمن شغل ما أعطي لإقامة العبودية بإدراك الربوبية فاتته العبودية، ولم يدرك الربوبية (4).