يقطر، قال لأصحابه: " لقد خذلنا شيعتنا، فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف غير حرج ليس عليه ذمام " فتفرق الناس عنه، وأخذوا يمينا وشمالا، حتى بقي في أصحابه الذين جاءوا معه من المدينة ونفر يسير ممن انضموا إليه. ومع ذلك فقد واصل (عليه السلام) مسيره نحو الكوفة، ولما مر ببطن العقبة لقيه شيخ من بني عكرمة يقال له: عمر بن لوذان، فسأل الإمام: أين تريد؟ فقال له الحسين (عليه السلام): " الكوفة " فقال الشيخ: أنشدك لما انصرفت، فوالله ما تقدم إلا على الأسنة وحد السيوف، فقال له الحسين: " ليس يخفى علي الرأي، وأن الله تعالى لا يغلب على أمره " (1).
في نفس النص دلالة على أن الإمام كان يدرك ما كان يتخوفه غيره، وأن مصيره لو سار إلى الكوفة هو القتل، ومع ذلك أكمل السير طلبا للشهادة من أجل نصرة الدين ورد كيد أعدائه، وحتى لا تبقى لأحد حجة يتذرع بها لتبرير تخاذله وضعفه.
نعم لقد كان الحسين (عليه السلام) على بينة من أمره وما سيؤول إليه سفره من مصير محتوم، فلا شئ يقف أمام إرادته من أجل إعلاء كلمة الدين وتثبيت دعائمه التي أراد الأمويون تقويضها، انظر إليه وهو يخاطب الحر بن يزيد الرياحي الذي يحذره من مغبة إصراره على موقفه حيث يقول له: " أفبالموت تخوفني، وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني، وسأقول كما قال أخو الأوس لابن عمه وهو يريد نصرة رسول الله فخوفه ابن عمه وقال: أين تذهب فإنك مقتول، فقال:
سأمضي وما بالموت عار على الفتى * إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما وواسى الرجال الصالحين بنفسه * وفارق مثبورا وخالف مجرما فإن عشت لم أندم وإن مت لم ألم * كفى بك ذلا أن تعيش وترغما " (2)