أخرى، يحس بفناء اجزاء هذا العالم، فإنه يرى العالم وظواهره كالمرآة التي تعكس الواقعيات الثابتة الخلابة، وعند احساس لذاتها، تجعل اللذائذ الأخرى حقيرة في نظره، وبالتالي تجعله ينصرف عن الحياة الفتانة الفانية.
هذا هو مدى جاذبية العرفان، التي تسلك بالمؤمن إلى العالم العلوي، وتقر في قلبه عظمة الله وجلاله، فينسى كل شئ، ويغفل عنه، وتحرضه على أن ينبذ كل ما يتمناه ويرجوه في هذه الحياة، وتدعوه إلى عبادة الله الذي لا يرى، وهو أوضح من كل ما يرى ويسمع.
وفي الحقيقة ان هذه الجاذبية الباطنية، هي التي أوجدت في عالم الانسان، سبل عبادة الله تعالى. والعارف هو الذي يعبد الله سبحانه عن حب واخلاص، لا عن امل وثواب ولا عن خوف وعذاب. من هنا يتضح ان العرفان ليس مذهبا في قبال المذاهب الأخرى، بل العرفان طريق من طرق العبادة (عبادة للحب والاخلاص، لا للخوف والرجاء) وهو طريق لدرك وفهم حقائق الأديان، في قبال طريق الظواهر الدينية وطريق التفكر العقلي.
كل الأديان الإلهية، وحتى الوثنية، لها اتباعها، فهم يسلكون هذا الطريق أيضا، فلكل من الوثنية واليهودية والمسيحية والمجوسية والاسلام، لها أناس عارفون وغير عارفين.
2. ظهور العرفان في الاسلام من بين صحابة النبي الأكرم (ص) (وقد جاء ذكر ما يقارب من اثني عشر ألفا من كتب الرجال) ينفرد الإمام علي (ع) ببيانه البليغ عن حقائق العرفان، ومراحل الحياة المعنوية، إذ يحتوي على ذخائر جمة، ولم نجد مثيله