محمد بن قارون سلمه الله تعالى، قال: كان الحاكم بالحلة شخصا يدعى مرجان الصغير، فرفع إليه أن أبا راجح هذا يسب الصحابة، فأحضره وأمر بضربه فضرب ضربا شديدا مهلكا على جميع بدنه حتى إنه ضرب على وجهه فسقطت ثناياه، وأخرج لسانه فجعل فيه مسلة من الحديد وخرق أنفه ووضع فيه شركة من الشعر، وشد فيها حبلا وسلمه إلى جماعة من أصحابه، وأمرهم أن يدوروا به أزقة الحلة، والضرب يأخذ من جميع جوانبه حتى سقط إلى الأرض، وعاين الهلاك.
فأخبر الحاكم بذلك، فأمر بقتله فقال الحاضرون: إنه شيخ كبير، وقد حصل له ما يكفيه، وهو ميت لما به فاتركه، وهو يموت حتف أنفه، ولا تتقلد بدمه، وبالغوا في ذلك حتى أمر بتخليته، وقد انتفخ وجهه ولسانه، فنقله أهله في الموت، ولم يشك أحد أنه يموت من ليلته.
فلما كان من الغد غدا عليه الناس، فإذا هو قائم يصلي على أتم حالة، وقد عادت ثناياه التي سقطت كما كانت، واندملت جراحاته، ولم يبق لها أثر، والشجة قد زالت من وجهه، فعجب الناس من حاله، وسألوه عن أمره، فقال إني عاينت الموت، ولم يبق لي لسان أسأل الله تعالى به فكنت أسأله بقلبي واستغثت إلى سيدي ومولاي صاحب الزمان (عليه السلام).
فلما جن علي الليل فإذا بالدار قد امتلأت نورا، وإذا بمولاي صاحب الزمان قد أمر يده الشريفة على وجهي، وقال لي: أخرج وكد على عيالك فقد عافاك الله تعالى فأصبحت كما ترون.
وحكى الشيخ شمس الدين محمد بن قارون المذكور قال: وأقسم بالله تعالى إن هذا أبو راجح كان ضعيفا جدا ضعيف التركيب، أصفر اللون، شين الوجه مقرض اللحية، وكنت دائما أدخل الحمام الذي هو فيه، وكنت دائما أراه على هذه الحالة وهذا الشكل، فلما أصبحت كنت ممن دخل عليه، فرأيته، وقد اشتدت قوته وانتصبت قامته وطالت لحيته واحمر وجهه، وعاد كأنه ابن عشرين سنة، ولم يزل على ذلك حتى أدركته الوفاة، إلى آخر ما قال.
- الثانية في البحار (1) أيضا من الكتاب المذكور، قال: ومن ذلك ما أخبرني من أثق به.