أخفى حمل أم موسى عن فرعون وقومه، مع أن الكهنة والمنجمين قد عينوا سنة ولادته إلى أن بعث المعتمد العباسي القوابل سرا وأمرهن أن يدخلن دور بني هاشم سيما دار العسكري (عليه السلام) بلا استيذان، وفي أي وقت كان ليفتشن أثره ويتطلعن خبره إلى أن نور الكون بقدومه إلى عالم الوجود، وتولد (عج) قبل وفاة أبيه بسنتين، وقيل بخمس، في سامراء في منتصف شعبان، كما في نوحة الأحزان من مؤلفات العالم الفاضل محمد يوسف اللاهخوارماني الذي ألف في زمن شاه عباس الثاني (رحمه الله): إنه كان (عليه السلام) يوما من الأيام في حجر والدته في صحن الدار إذ أحست نرجس بالقوابل فاضطربت اضطرابا شديدا، ولم تجد فرصة حتى تخفي ذلك النور، فهتف هاتف بها أن ألقي حجة الله القهار في البئر التي في صحن الدار، فألقته في البئر وقد سمعت القوابل صوت الطفل فدخلن الدار بسرعة فبالغن في التفحص فلم يجدن منه أثرا فخرجن والهات حايرات، فلما فرغت الدار عن الأغيار أقبلت نرجس إلى البئر لكي تعلم ما جرى على قرة عينها، فلما أشرفت على البئر رأت الماء يفور إلى أن ساوى أرض الدار، وحجة الله فوق الماء صحيحا سالما كالبدر الطالع، والقماط (1) الذي عليه لم يبتل أبدا فتناولته وأرضعته وحمدت الله وسجدت له شكرا فهتف هاتف: أن يا نرجس ألقيه إلى البئر أربعين يوما، فمتى أردت أن تسترضعيه نوصله إليك، فكانت كلما أرادت إرضاعه تأتي إلى شفير البئر فيفور الماء، وحجة الله فوقه فتأخذه وترضعه وتقر عينها بجماله وترده إلى البئر فينزل الماء إلى قراره، فبقي (عج) في البئر في تلك المدة كما أن يوسف الصديق أيضا كذلك، وكان مستورا عن أعين الناس (2).
الرابع عشر: ممن رآه في حياة أبيه (عليهما السلام): وفيه عن علي بن إبراهيم بن مهزيار الذي كان خادما له (عليه السلام) أن الحسن العسكري كان يأمرني بإحضار حجة الله من السرداب، وأنا أحضره عنده وهو يأخذه ويقبله ويتكلم معه، وهو يجاوب أباه بذلك وهو يشير إلي برده وأرده إلى السرداب، حتى أنه (عليه السلام) أمرني بإحضاره يوما من الأيام فقال (عليه السلام): يا بن مهزيار ائتني بولدي حجة الله، فأتيت به إليه من السرداب، فأخذه مني وأجلسه في حجره وقبل وجهه وتكلم