عبد الله المديني أحد حفاظ الدنيا وعلمائها فقال لأبي الحسن حمادويه بن أحمد: أعرف في بلد الحبشة أسقفا قد عمر وأتى عليه ثلاثمائة وستون سنة يعرف هذا الخط، وقد كان عزم على أن يعلمنيه فلحرصي على علم العرب لم أقم عليه وهو باق، فكتب أبو الحسن إلى ملك الحبشة يسأله أن يحمل هذا الأسقف إليه فأجابه أن هذا قد طعن في السن وحطمه الزمان، وإنما يحفظه هذا الهواء، ويخاف عليه إن نقل إلى هواء آخر وإقليم آخر ولحقته حركة وتعب ومشقة السفر أن يتلف، وفي بقائه لنا شرف وفرج وسكينة، فإن كان لكم شئ يقرأه ويفسره ومسألة تسألونه كاتبوه بذلك، فحملت البلاطة في قارب إلى بلد أسوان من الصعيد الأعلى، وحملت من أسوان على العجلة إلى بلاد الحبشة وهي قرية من أسوان، فلما وصلت قرأها الأسقف وفسر ما فيها بالحبشية ثم نقلت إلى العربية فإذا فيها مكتوب: أنا الريان بن دومغ - فسأله أبو عبد الله عن الريان من هو كان.
قال: هو والد العزيز ملك يوسف واسمه الريان بن دومغ وقد كان عمر العزيز سبعمائة سنة والريان والده ألف وسبعمائة سنة، وعمر دومغ ثلاثة آلاف سنة فإذا فيها: أنا الريان بن دومغ خرجت في طلب علم النيل لأعلم فيضه ومنبعه إذ كنت أرى مفيضه ومنبعه فخرجت ومعي ممن صحبت أربعة آلاف ألف رجل فسرت ثمانين سنة إلى أن انتهيت إلى الظلمات والبحر المحيط بالدنيا، فرأيت النيل يقطع البحر المحيط ويعبر فيه ولم يكن له منفذ، وتماوت أصحابي وبقيت في أربعة آلاف رجل فخشيت على ملكي، فرجعت إلى مصر وبنيت الأهرام والبرابي وبنيت الهرمين وأودعتهما كنوزي وذخائري (1) وقلت ذلك شعرا:
وأدرك علمي بعض ما هو كائن * ولا علم لي بالغيب والله أعلم وأتقنت ما حاولت إتقان صنعه * وأحكمته والله أقوى وأحكم وحاولت علم النيل من بدء فيضه * فأعجزني والمرء بالعجز ملجم ثمانين شاهورا قطعت مسايحا * وحولي بنو حجر وجيش عرمرم إلى أن قطعت الجن والإنس كلهم * وعارضني لج من البحر مظلم فأيقنت أن لا منفذا بعد منزلي * لدى هيبة بعدي ولا متقدم