عينيه ثم سحبه سحبا في فراشه، وأكب على محمد بن علي (عليه السلام) يقبله ويساره بشئ لم أفهمه فرأيت على شفتي الرضا (عليه السلام) زبدا أشد بياضا من الثلج، ورأيت أبا جعفر (عليه السلام) يلحسه بلسانه ثم أدخل يده بين ثوبيه وصدره فاستخرج شيئا شبيها بالعصفور فابتلعه أبو جعفر (عليه السلام)، ومضى الرضا (عليه السلام)، فقال أبو جعفر: قم يا أبا الصلت فأتني بالمغتسل والماء من الخزانة.
فقلت: ما في الخزانة مغتسل ولا ماء. فقال (عليه السلام): إنته إلى ما أمرتك به، فدخلت الخزانة فإذا فيها مغتسل وماء، فأخرجته وشمرت ثيابي لأغسله فقال لي: تنح يا أبا الصلت فإن لي من يعينني غيرك، فغسله ثم قال لي: أدخل الخزانة فاخرج لي السفط الذي فيه كفنه وحنوطه، فدخلت فإذا أنا بسفط لم أره في تلك الخزانة قط فحملته إليه فكفنه وصلى عليه ثم قال: ائتني بالتابوت، فقلت: أمضي إلى النجار حتى يصلح التابوت. قال: قم فإن في الخزانة تابوتا فدخلت الخزانة فوجدت تابوتا لم أره قط، فأتيته به فأخذ الرضا (عليه السلام) بعدما مضى عليه فوضعه في التابوت، وصف قدميه وصلى ركعتين لم يفرغ منها حتى علا التابوت، فانشق السقف فخرج منها التابوت ومضى. فقلت: يا بن رسول الله الساعة يجيئنا المأمون ويطالبنا بالرضا (عليه السلام) فما نصنع؟ فقال لي: اسكت فإنه سيعود يا أبا الصلت، ما من نبي يموت بالمشرق ويموت وصيه بالمغرب إلا جمع الله تعالى بين أرواحهما وأجسادهما، فما أتم الحديث حتى انشق السقف فنزل التابوت فقام (عليه السلام) واستخرج الرضا (عليه السلام) من التابوت ووضعه على فراشه كأنه لم يغسل ولم يكفن.
ثم قال لي: يا أبا الصلت قم فافتح الباب للمأمون ففتحت الباب فإذا المأمون والغلمان بالباب، فدخل باكيا حزينا قد شق جيبه ولطم رأسه وهو يقول: يا سيداه فجعت بك يا سيدي، ثم دخل وجلس عند رأسه وقال: خذوا في تجهيزه، فأمر بحفر القبر فحفرت الموضع فظهر كل شئ كما وصفه الرضا (عليه السلام)، فقال له بعض جلسائه: ألست تزعم أنه إمام؟
قال: بلى. قال: لا يكون الإمام إلا مقدم الناس، فأمر له أن يحفر له في القبلة، فقلت: أمرني أن أحفر له سبع مراقي وأن أشق له ضريحه، فقال: انتهوا إلى ما يأمر به أبو الصلت سوى الضريح، ولكن يحفر له ويلحد، فلما رأى ما ظهر من النداوة والحيتان وغير ذلك قال المأمون: لم يزل الرضا (عليه السلام) يرينا عجائبه في حياته حتى أراناها بعد وفاته أيضا.