منهج الرشاد لمن أراد السداد - الشيخ جعفر كاشف الغطاء - الصفحة ٥٤١
للحجر الأسود والأركان، لم يعبدوا سوى من أمرهم بذلك.
ثم السجود والخضوع لعروض بعض الأسباب، لا ينافي الأخلاص لرب الأرباب.
روى أبو داود والترمذي، عن عكرمة، قال: قيل لابن عباس: ماتت (فلانة) - بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم -، فخر ساجدا، فقيل له: تسجد في هذه الساعة؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا رأيتم آية فاسجدوا، وأي آية أعظم من ذهاب أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم (1).
فعلى هذا لو سجد من رأى ميتا أو، قبرا، أو شيئا عجيبا، ذاكرا لعظمة الله - كما يصنعه بعض العارفين - لم يكن به بأس.
وعبادة الأصنام وبعض الصالحين، مع نهي الأنبياء والمرسلين الذين دلت على صدقهم المعاجز (2) والبراهين، محض عناد وخلاف على رب العباد، ولو أنهم أخذوا عن قول الله ورسله، لم يكن عليهم إيراد.
كما أن (السيد) لو قال لعبده: تبرك بثياب (فلان)، ونعله، وترابه، ففعل، كان عابدا للمولى. وأما لو نهاه المولى، أو أخذ بمجرد الظن الذي لا يغني عن الحق شيئا، أو الخرص (3)، لكان عاصيا مخالفا.
ألا ترى أن من جعل المرضعات أمهات، ليس كمن جعل المصاهرات، ومن حرم الوصيلة، والسائبة، والحام (4)، ليس كمن حرم الجلالة (5) من الأنعام.
وليس تحريم الأشهر الحرام كتحريم غيرها من باقي أشهر العام، وليس صيام آخر شهر رمضان كصيام أول شوال. كل ذلك للفرق بين الأمر والاختراع، والقول بمجرد

(١) سنن أبي داود: ١ / ٣١١، حديث ١١٩٧، وسنن الترمذي: ٥ / ٦٦٥، حديث ٣٨٩١.
(٢) في المطبوع: المعجزات.
(٣) الخرص: الحدس، والكذب والافتراء.
(٤) من معتقدات العرب أن الوصيلة من الغنم (وهي الشاة) إذا ولدت أنثى فهي لهم، وإذا ولدت ذكرا - أوقفوه لآلهتهم، فان ولدت ذكرا وأنثى قالوا وصلت أخاها، فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم.
أما السائبة فقد كان الرجل إذا نذر القدوم من سفر، أو الشفاء من علة، فان ناقته ستكون سائبة (أي لا تستخدم للانتفاع بها، ولا تخلى عن ماء، أو تمنع عن مرعى).
والحام هو الذكر من الإبل إذا أنتجت من صلب الفحل عشرة أبطن قال العرب قد حمى ظهره، فلا يحمل عليه.
وقد حرم القرآن هذه المعتقدات كما ورد في سورة المائدة، آية (103) قوله تعالى: (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة، ولا وصيلة، ولا حام، ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب، وأكثرهم لا يعقلون).
والبحيرة هي الشاة التي تبحر أذنها (أي تشق) علامة على تحريم الانتفاع بها.
(5) الحيوان الجلال: هو الذي يأكل العذرة، وقد ورد النهي عن أكل لحمه، وشرب لبنه.
(٥٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 536 537 538 539 540 541 542 543 544 545 546 ... » »»