الدنيا، وهي مجتمعة في علي بن أبي طالب متفرقة في الصحابة، وفي علي يقول أسد بن رقيم يحرض عليه قريشا وإنه قد بلغ منه على حداثة سنه ما لم يبلغه ذوو الأسنان:
في كل مجمع غاية أ خزاكم * جذع أبر علي المذاكي القرح لله دركم ألما تنكروا * قد ينكر الضيم الكريم ويستحي هذا ابن فاطمة الذي أفناكم * ذبحا ويمشي آمنا لم يجرح أين الكهول وأين كل دعامة * للمعضلات وأين زين الأبطح أفناهم ضربا بكل مهند * صلت وحد غزاره لم يصفح وأما الجود: فليس على ظهر الأرض جواد جاهلي ولا إسلامي ولا عربي ولا عجمي إلا وجوده يكاد يصير بخلا إذا ذكر جود علي بن أبي طالب وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن العباس المذكورون بالجود منهم لكن اقتصرنا، ثم ليس في الأرض قوم أنطق خطيبا ولا أكثر بليغا من غير تكلف ولا تكسب من بني هاشم وقال أبو سفيان بن الحرث:
لقد علمت قريش غير فخر * بأنا نحن أجودهم حصانا وأكثرهم دروعا سابغات * وأمضاهم إذا طعنوا سنانا وأدفعهم عن الضراء فيهم * وأبينهم إذا نطقوا لسانا (1) ومما يضم إلى جملة القول في فضل علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه أطاع الله قبلهم ومعهم وبعدهم وامتحن بما لم يمتحن به ذو عزم وابتلي بما لم يبتل به ذو صبر، وأما جملة القول في ولد علي فإن الناس لا يعظمون أحدا من الناس إلا بعد أن يصيبوا منهم وينالوا من فضلهم، وإلا بعد أن تظهر قدرتهم، وهم معظمون قبل الاختبار وهم بذلك واثقون وبه أنه لهم موقنون، فلولا أن هناك سرا كريما وخيما عجيبا وفضلا مبينا وعرقا ناميا لاكتفوا بذلك التعظيم ولم يعانوا تلك التكاليف الشداد والمحن الغلاظ، فأما المنطق والخطب فقد علم الناس كيف كان علي بن أبي طالب عند التفكير والتحبير وعند الارتجال والبدئة وعند الإطناب والإيجاز في وقتيها، وكيف كان كلامه قاعدا وقائما وفي الجماعات ومنفردا، مع الخبرة بالأحكام والعلم بالحلال والحرام، وكيف كان عبد الله بن عباس (رضي الله عنه) الذي كان يقال له: الحبر والبحر، ومثل عمر بن الخطاب يقول له: غص يا غواص، وشنشنة أعرفها من أخزم، قلب عقول ولسان قؤول، ولو لم يكن لجماعتهم إلا لسان زيد بن علي بن الحسين وعبد الله بن معاوية بن جعفر لقرعوا بهما جميع البلغاء وعلوا بها على جميع الخطباء،