وجزم أنه المشار إليه في الحديث النبوي لما علم تلك الصفات فيه مع وجود احتمال أن يتجدد في وفود اليمن مستقبلا من يكون بتلك الصفات، فإن قبيلة مراد كثيرة والتوالد فيها كثير وعين ما ذكرتموه من الاحتمال موجود، وكذلك قضية الخوارج لما وصفهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بصفات ورتب عليها حكمهم، ثم بعد ذلك لما وجدها علي (عليه السلام) موجودة في أولئك في واقعة حروراء والنهروان، جزم بأنهم هم المرادون بالحديث النبوي وقاتلهم وقتلهم، فعمل بالدلالة عند وجود الصفة مع احتمال أن يكون المرادون غيرهم، وأمثال هذه الدلالة والعمل بها مع قيام الاحتمال كثيرة، فعلم أن الدلالة الراجحة لا تترك لاحتمال المرجوح.
ونزيده بيانا وتقريرا فنقول: لزوم ثبوت الحكم عند وجود العلامة والدلالة لمن وجدت فيه أمر يتعين العمل به والمصير إليه، فمن تركه وقال بأن صاحب الصفات المراد بإثبات الحكم له ليس هو هذا، بل شخص غيره سيأتي، فقد عدل عن النهج القويم ووقف نفسه موقف المليم، ويدل على ذلك أن الله عز وجل لما أنزل في التوراة على موسى أنه يبعث النبي العربي في آخر الزمان خاتم الأنبياء، ونعته بأوصافه وجعلها علامة ودلالة على إثبات حكم النبوة له، وصار قوم موسى (عليه السلام) يذكرونه بصفاته ويعلمون أنه يبعث، فلما قرب زمان ظهوره وبعثه صاروا يهددون المشركين به ويقولون: سيظهر الآن نبي نعته كذا وصفته كذا ونستعين به على قتالكم.
فلما بعث (صلى الله عليه وآله) ووجدوا العلامات والصفات بأسرها التي جعلت دلالة على نبوته أنكروه (1) وقالوا: ليس هذا هو، بل هو غيره وسيأتي.
فلما جنحوا إلى الاحتمال وأعرضوا عن العمل بالدلالة الموجودة في الحال، أنكر الله تعالى عليهم كونهم تركوا العمل بالدلالة التي ذكرها لهم في التوراة وجنحوا إلى الاحتمال، وهذه القصة من أكبر الأدلة، وأقوى الحجج على أنه يتعين العمل بالدلالة عند وجودها، وإثبات الحكم لمن وجدت تلك الأدلة فيه.
فإذا كانت الصفات التي هي علامة ودلالة لثبوت تلك الأحكام المذكورة موجودة في الحجة الخلف الصالح محمد (عليه السلام) تعين إثبات كون المهدي المشار إليه من غير جنوح إلى الاحتمال بتجدد غيره في الاستقبال.
فإن قال المعترض: نسلم لكم أن الصفات المجعولة علامة ودلالة إذا وجدت تعين العمل بها، ولزم إثبات مدلولها لمن وجدت فيه، لكن نمنع وجود تلك العلامة والدلالة في الخلف الصالح