مشارق أنوار اليقين - الحافظ رجب البرسي - الصفحة ٥٥
فصل (أول الخلق نور محمد وعلي) ظهر الواحد عن الأحد، وفاض عن الواحد سائر العدد، وذاك كما ظهر الخط عن النقطة، والسطح عن الخط، والجسم عنهم، والحروف عن النقطة، والكلام عن الحروف، والمعاني عن الكلام، والكل من واحد، منه المبدأ وإليه المعاد، بدؤها منك وعودها إليك، فالنقطة الواحدة هي حقيقة الموجودات، ومبدأ الكائنات، وقطب الدائرات، وعالم الغيب والشهادة، وظاهرها النبوة، وباطنها الولاية، وهما نور واحد في الظاهر والباطن، ولكن الولاية من النبوة وعنها لأنهما الاسمين الأيملين اللذين جمعا فاجتمعا، ولا يصلحان إلا معا، يسميان فيفرقان محمد وعلي، ويوصفان فيجتمعان نبي وولي، وتمامهما في تمام أحدهما، تمام الولي من النبي، لأن القمر يستمد من الشمس، فإذا كمل صار بدرا فإذا غابت الشمس كان الحكم للبدر (1).

(١) قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (يا عمر ابن الخطاب أتدري من أنا؟ أنا الذي خلق الله أول كل شئ نوري، فسجد له فبقي في سجوده سبعمائة عام، فأول كل شئ سجد له نوري ولا فخر. يا عمر أتدري من أنا؟ أما الذي خلق الله العرش من نوري والكرسي من نوري واللوح والقلم من نوري، والشمس والقمر من نوري، ونور الأبصار من نوري والعقل الذي في رؤوس الخلائق من نوري، ونور المعرفة في قلوب المؤمنين من نوري ولا فخر) (شرح الشمائل المحمدية: ١ /، ٤٩، ولوامع أنوار الكواكب الدري: ١ / ١٣) وفي حديث مستفيض: (كنت أول الأنبياء (الناس) في الخلق وآخرهم في البعث) (كنز العمال: ١١ / ٤٥٢ ح ٣٢ ١ ٢ ٦، والجامع الصغير: ٢ / ١٦٢، والطبقات الكبرى: ١. / ١١٩، والفردوس بمأثور الخطاب: ٣ / ٢٨٢ ح ٤٨٥٠، والوفا بأحوال المصطفى: ٣٦١، وينابيع المودة ١ / ٢٢٠ و ١٨، والخصائص الكبرى: ١ / ٣ الباب الأول) وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام: (كنت وليا وآدم بين الماء والطين) (جامع الأسرار: ٣٨٢ - ٤٦٠ ح ٧٦٣ - ٩٢٧، والإنسان الكامل: ٧٧، والمراقبات: ٢٥٩) وأخرج المسعودي وسبط ابن الجوزي بسند أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال بعد حمد الله: (لما أراد الله أن ينشئ المخلوقات ويبدع الموجودات أقام الخلائق في صوره قبل دخول الأرض ورفع السماوات، ثم أفاض نورا من نور عزه فلمع قبسا من ضيائه وسطع. ثم اجتمع في تلك الصورة وفيها هيئة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم فقال له تعالى: أنت المختار وعندك مستودع الأنوار وأنت المصطفى المنتجب الرضا المنتجب المرتضى، من أجلك أضع البطحاء وأرفع السماء وأجري الماء وأجعل الثواب والعقاب والجنة والنار، وأنصب أهل بيتك علما للهداية، وأودع أسرارهم من سري بحيث لا يشكل عليهم دقيق، ولا يغيب عنهم خفي، وأجعلهم حجتي على بريتي والمنبهين على قدري والمطلعين على أسرار خزائني..
ثم بين لآدم حقيقة ذلك النور ومكنون ذلك السر، فلما حانت أيامه أودعه شيئا، ولم يزل ينتقل من الأصلاب الناظرة إلى الأرحام الطاهرة إلى أن وصل إلى عبد المطلب ثم إلى عبد الله، ثم إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فدعا الناس ظاهرا وباطنا وندبهم سرا وعلانية واستدعى الفهوم إلى القيام بحقوق ذلك السر اللطيف وندب العقول إلى الإجابة لذلك المعنى المودع في الذر قبل النسل، فمن وافقه قبس من لمحات ذلك النور واهتدى إلى السر وانتهى إلى العهد المودع في باطن الأمر وغامض العلم ومن غمرته الغفلة وشغلته المحنة استحق البعد.
ثم لم يزل ذلك النور ينتقل فينا ويتشعشع في غرايزنا، فنحن أنوار السماوات والأرض وسفن النجاة، وفينا مكنون العلم وإلينا مصير الأمور وبمهدينا تقطع الحجج، فهو خاتم الأئمة ومنقذ الأمة . منتهى النور وغامض السرد، فليهن من استمسك بعروتنا وحشر على محبتنا) (تذكر الخواص:
١٢١ - ١٢٢ - الباب السادس - المختار من كلام علي - خطبة في مدح النبي والأمة، ومروج الذهب: ١ / ١٧ ذكر المبدأ وشأن الخليفة، ونزهة المجالس: ٢ / ٩٦ مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم مختصرا) وقال ص: (إن الله خلقني وخلق عليا وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق آدم عليه السلام حين لا سماء مبنية، ولا ولا أرض مدحية، ولا ظلمة ولا نور، ولا شمس ولا قمر ولا جنة ولا نار) فقال العباس: كيف كان بدء خلقكم يا رسول الله؟
فقال: (يا عم لما أراد الله أن يخلقنا تكلم بكلمة خلق منها نورا، ثم تكلم بكلمة أخرى فخلق منها روحا، ثم مزج النور بالروح، فخلقني وخلق عليا وفاطمة والحسن والحسين، فكنا نسبحه حين لا تسبيح، ونقدسه حين لا تقديس، فلما أراد الله تعالى أن ينشئ خلقه فتق نوري فخلق منه العرش، فالعرش من نوري، ونوري من نور الله، ونوري أفضل من العرش.
ثم فتق نور أخي علي فخلق منه الملائكة، فالملائكة من نور علي ونور على من نور الله وعلي أفضل من الملائكة. ثم فتق نور ابنتي فخلق منه السماوات والأرض، فالسماوات والأرض من نور ابنتي فاطمة، ونور ابنتي فاطمة من نور الله، وابنتي فاطمة أفضل من السماوات والأرض.
ثم فتق نور ولدي الحسن فخلق منه الشمس والقمر فالشمس والقمر من نور ولدي الحسن ونور الحسن من نور الله، والحسن أفضل من الشمس والقمر.
ثم فتق نور ولدي الحسين فخلق منه الجنة والحور العين، فالجنة والحور العين من نور ولدي الحسين، ونور ولدي الحسين من نور الله، وولدي الحسين، أفضل من الجنة وحور العين) (بحار الأنوار: ١٥ / ١٠ - ١١ باب بدء خلق النبي ح ١١.).
إلى أن قال: (فتكلم الله بكلمة فخلق منها روحا... ثم نورا فأزهرت المشارق والمغارب فهي فاطمة) (الأنوار النعمانية: ١ / ١٧ - ١٨ مع تفاوت عما في بحار الأنوار ليس بيسير رواه عن ابن مسعود).
وعن الإمام علي عليه السلام: (ألا إني عبد الله وأخو رسوله وصديقه الأول قد صدقته وآدم بين الروح والجسد، ثم إني صديقه الأول في أمتكم حقا، فنحن الأولون ونحن الآخرون) (بحار الأنوار: ١٥ / ١٥ ح ١٩.).
وعن أبي جعفر عليه السلام قال: (يا جابر كان الله ولا شئ غيره، لا معلوم ولا مجهول، فأول ما ابتدأ من خلقه أن خلق محمدا صلى الله عليه وآله وخلقنا أهل البيت معه من نور عظمته، فأوقفنا أظلة خضراء بين يديه حيث لا سماء ولا أرض ولا مكان ولا ليل ولا نهار ولا شمس ولا قمر) (بحار الأنوار: ١٥ / ٢٣ ح ٤١).
وعن الإمام الصادق عليه السلام: (إن الله كان إذ لا كان، فخلق الكان والمكان وخلق نور الأنوار الذي نورت منه الأنوار، وأجرى فيه من نوره الذي نورت منه الأنوار، وهو النور الذي خلق منه محمدا وعليا، فلم يزالا نورين أولين إذ لا شئ كون قبلهما) (بحار الأنوار: ١٥ / ٢٤ ح ٤٦.).
وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: (كان الله ولا شئ معه، فأول ما خلق نور حبيبه محمد صلى الله عليه وآله قبل خلق الماء والعرش والكرسي والسماوات والأرض واللوح والقلم والجنة والنار والملائكة وآدم وحواء) (بحار الأنوار: ١٥ / ٢٧ - ٢٨ ح ٤٨.).
* أقول: ذكر المجلسي في بحاره والجزائري في الأنوار وغيرهما عدة روايات أخرى في أنهم أول الخلق اقتصرنا على ما يكفي لإقناع الناصبي فضلا عن غيره (بحار الأنوار: ١٥ / 2 إلى 50 ح 2 إلى 48 باب بدء خلق النبي من كتاب تاريخ نبينا صلى الله عليه وآله، وإرشاد القلوب: 2 / 4 40 - 405 و 415 - 416 - 421، والأنوار النعمانية: 14 - 15 - 17 - 18 - 22)
(٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 49 50 51 52 53 55 57 58 59 60 61 ... » »»