وجعلها حجابا فهي كلمته ونوره وروحه وحجابه، وسريانها في العالم كسريان النقطة في الحروف والأجسام، وسريان الواحد في الأعداد وسريان الألف في الكلام، وسريان الاسم المقدس في الأسماء، فهي مبدأ الكل وحقيقة الكل، فكل ناطق بلسان الحال والمقال، فإنه شاهد لله بالوحدانية الأولية، ولمحمد وعلي بالأبوة والملكية، دليله قوله صلى الله عليه وآله: (أنا وعلي أبوا هذه الأمة) (1)، وإذا كانا أبوي هذه الأمة دل بالتزام أن يكونا أبوي سائر الأمم لدلالة الخاص على العام، والأعلى على الأدنى من غير عكس، فلولاهما لم يكن خلق أبدا لاختصاصه ب (لولاك لما خلقت الأفلاك) (2) فعلم أن صدور الأفعال عن الصفات، وصدور الصفات عن الذات، والصفة التي هي إمام الصفات في ظهور الموجودات، هي الحضرة المحمدية فهي عين الوجود وشرف الموجود وهي النقطة الواحدة التي هي صفة الأحد والجمال، الصادرة عن الجلال، والنور المبتدع من سحاب العظمة المشعشع من فيض قدس الرحمة وهي عرش النور والكتاب المسطور واللوح المحفوظ وأول الظهور، وختم الأيام والدهور.
يؤيد ذلك ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه سئل: هل رأيت في الدنيا رجلا؟ فقال: رأيت رجلا وأنا إلى الآن أسأل عنه. فقلت له: من أنت؟
فقال: أنا الطين. فقلت: من أين؟
فقال: من الطين. فقلت: إلى أين؟ فقال: إلى الطين. فقلت: من أنا؟
فقال: أبو تراب. فقلت: أنا أنت. فقال: حاشاك، حاشاك، هذا من الدين في الدين، أنا أنا، وأنا أنا، أنا ذات الذوات، والذات في الذوات الذات، فقال: عرفت. فقلت نعم. فقال: فامسك. (3) فأقول: في حل هذا الرمز الشريف إشارة إلى خطاب عالم اللاهوت مع عالم الناسوت، وهو الروح للجسد ليبين للناس الفرق بين هيكل قدسه وسر نفسه، فقوله: رأيت رجلا، وأنا أسأل إلى الآن عنه. وذلك لأن الروح لم تزل لها تعلق بالجسد ونظر إليه لأنه بيت غربتها، ومسكن كربتها، ومركب سيرها، وسرير تحصيلها، والثاني أن العارف أبدا يجب عليه أن يعرف الفرق بين مقام التراب وسر رب الأرباب، لأنه إذا عرف نفسه عرف ربه، لأنه إذا عرف نفسه بالحدوث، والفقر،