مشارق أنوار اليقين - الحافظ رجب البرسي - الصفحة ٤٢
فهم كعبة الجلال التي تطوف بها المخلوقات، ونقطة الكمال التي ينتهي إليها الموجودات، والبيت المحرم الذي تتوجه إليه سائر البريات لأنهم أول بيت وضع للناس فهم الباب، والحجاب، والنواب، وأم الكتاب، وفصل الخطاب، وإليهم يوم المآب، ويوم الحساب، فهم لاهوت الحجاب، ونواب الجبروت، وأبواب الملكوت، ووجه الحي الذي لا يموت.
فصل وإن قلت: معنى قوله: ﴿الله نور السماوات والأرض﴾ (1) يعني منور السماوات والأرض، وهادي أهل السماوات والأرض، قلت: نعم هم الهداة والدعاة إلى الله عز وجل، والنور المشرق من حضرة الأزل ولم يزل، والاسم الفتاح الذي أخرج بنوره الوجود من العدم، فبهم بدا وبهم هدى، وبهم ختم، وهم المعاذ في المعاد للعباد عند زلة القدم، فهم مصابيح الظلم، ومفاتيح النعم.
فصل فإذا استقرينا الموجودات، فإنها تنتهي إلى النقطة الواحدة التي هي صفة الذات وعلة الموجودات، ولها في التسمية عبارات، فهي العقل من قوله صلى الله عليه وآله: (أول ما خلق الله العقل) (2)، وهي الحضرة المحمدية من قوله: (أول ما خلق الله نوري) (3). ومن حيث إنها أول الموجودات صادرة عن الله تعالى بغير واسطة سميت العقل الأول، ومن حيث إن الأشياء تجد منه قوة التعقيل سمي العقل الفعال، ومن حيث إن العقل فاض منه إلى جميع الموجودات فأدركت به حقائق الأشياء سمي عقل الكل، فعلم بواضح البرهان أن الحضرة المحمدية هي نقطة النور وأول الظهور، وحقيقة الكائنات، ومبدأ الموجودات، وقطب الدائرات، فظاهرها صفة الله، وباطنها غيب الله، فهي ظاهر الاسم الأعظم، وصورة سائر العالم، وعليها مدار من كفر وأسلم، فروحه صلى الله عليه وآله نسخة الأحدية في اللاهوت، وجسده صورة معاني الملك والملكوت، وقلبه خزانة الحي الذي لا يموت، وذلك لأن الله تعالى تكلم في الأول بكلمة فصارت نورا، ثم تكلم بكلمة فصارت روحا، وأدخلها ذلك النور

(١) النور: ٣٥.
(2) تقدم الحديث.
(3) تقدم تخريجه.
(٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 36 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 ... » »»