أقول: الفرق بين الشعبذة والسحر والسيمياء، والكرامات والمعجزات، الأول منها قلب العين حتى يرى الإنسان شيئا فيتخيله ولا حقيقة له ولا يبقى، وأما المعجزات والكرامات فقلب أعيان الأشياء وتحويلها إلى حقيقة أخرى باقية لا تزول إلا إذا أراد المظهر لها زوالها.
ومن كراماته عليه السلام أن أبا نواس مدحه بأبيات فأخرج له رقعة فيها تلك الأبيات فتحير أبو نواس، وقال: والله يا ولي الله ما قالها أحد غيري، ولا سمعها أحد سواك، فقال: صدقت، ولكن عندي في الجفر والجامعة أنك تمدحني بها.
(1) ومن ذلك ما رواه أبو الصلت الهروي قال: بينما أنا واقف بين يدي أبي الحسن الرضا عليه السلام إذ قال لي: سيحفر لي هاهنا قبر فتظهر صخرة لو اجتمع عليها كل معول بخراسان لم يقدروا على قلعها، فمرهم أن يحفروا لي سبع مرات إلى أسفل، وأن يشق لي ضريح فإن الماء سينبع حتى يمتلئ اللحد وترى فيه حيتانا صغارا، ثم يخرج حوت كبير يلتقط الحيتان الصغار ثم يغيب، فدع يديك على الماء وتكلم بهذا الكلام فإنه ينضب لك ولا يبقى منه شئ، ولا تفعل ذلك إلا بحضرة المأمون، ثم قال لي: يا أبا الصلت غدا أدخل إلى هذا الفاجر، فإن خرجت مكشوف الرأس فتكلم أكلمك، وإن خرجت مغطى الرأس فلا تكلمني.
قال أبو الصلت: فما أصبحنا من الغد لبس ثيابه، وجلس في محرابه، فجاء غلام المأمون وقال: أجب أمير المؤمنين، فلبس نعله ورداءه، وقام يمشي وأنا أتبعه، ثم دخل على المأمون وبين يديه أطباق وفاكهة، وبيده عنقود من عنب قد أكل بعضه وبقي بعضه، فلما رآه مقبلا وثب قايما وعانقه وأجلسه، ثم ناوله العنقود، وقال: يا ابن رسول الله هل رأيت أحسن من هذا العنب؟
فقال: قد يكون في بعض الجنان أحسن منه، ثم قال له: كل منه، فقال له الرضا عليه السلام:
أعفني، فقال: لا بد من ذلك، ثم قال: وما يمنعك أتتهمني؟ ثم تناول العنقود منه وأكل منه، وناوله الرضا عليه السلام فأكل منه ثلاث حبات، ثم رمى به، وقال له المأمون: إلى أين؟
فقال له الرضا عليه السلام: إلى حيث وجهتني، ثم خرج عليه السلام مغطى الرأس حتى دخل الدار ثم أمر أن تغلق الأبواب، ثم نام على فراشه. فكنت: واقفا في صحن الدار باكيا حزينا إذ دخل إلي شاب حسن الوجه أشبه الناس بالرضا فبادرت إليه وقلت: من أين دخلت والباب مغلوق؟ فقال: الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت هو الذي أدخلني الدار والباب مغلق، فقلت: من أنت؟ فقال: أنا حجة الله