كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد (قسم الإلهيات) (تحقيق السبحاني) - العلامة الحلي - الصفحة ٦٦
المسألة الخامسة: في أنه تعالى يريد الطاعات ويكره المعاصي (1) قال: وإرادة القبيح قبيحة وكذا ترك إرادة الحسن، وللأمر والنهي.
أقول: مذهب المعتزلة أن الله تعالى يريد الطاعات من المؤمن والكافر سواء وقعت أو لا، ويكره المعاصي سواء وقعت أو لا.
وقالت الأشاعرة: كل ما هو واقع فهو مراد سواء كان طاعة أو معصية.
والدليل على ما ذهب إليه المعتزلة وجهان:

(1) العنوان الواقعي لهذه المسألة: تعلق إرادته سبحانه بأفعال العباد وعدمه، لا ما ذكره الشارح.
ثم إنه لو أريد من الإرادة، القسم التشريعي منها فلم يختلف في ذلك العنوان اثنان، فالمعتزلي والأشعري متفقان على أنه سبحانه أمر بالطاعة ونهى عن المعاصي بضرورة الشريعة فلا معنى للنزاع.
وإن أراد القسم التكويني منها - كما هو الظاهر - فهو غير منطبق على مذهب المعتزلي، لأن مذهبه خروج أفعال العباد عن حريم الإرادة والكراهة التكوينيتين لله سبحانه ولا معنى لتعلق إرادته التكوينية لطاعته، وكراهيته التكوينية لمعصيته، لأنه يستلزم الجبر إذا أطاع العبد، ومقهورية كراهته سبحانه إذا عصاه العبد، كل ذلك يعرب عن كون العنوان والتعبير عن مذهب المعتزلة غير واقعين موقعه.
ثم إن هذه المسألة وإن كانت لها صلة بكون الإنسان مختارا في فعله أو مجبرا، لكن ليست عينها، ولأجل ذلك عاد المصنف إلى الثانية في المسألة السادسة وقال: " والضرورة قاضية باستناد أفعالنا إلينا ".
ثم إن المقام من المواضع التي ترك الماتن فيه مذهب الحكماء وأخذ برأي المعتزلة وغفل عن مذهب الإمامية الذي هو مذهبه واستدل على رأيهم بأمرين. وحاصل الأول: هو أن العبد إذا فعل القبيح أو ترك الحسن، فلو كانا متعلقين بإرادته سبحانه لزم أن يريد فعل القبيح وترك الحسن وكلاهما قبيحان.
ولكن الرد مبني على عقيدة الأشاعرة في مسألة تعلق إرادته سبحانه بأفعال العباد، من تعلقها بها مباشرة وبلا واسطة، فيترتب عليه ما ذكر في الدليل، وأما على القول الحق من تعلقها بصدور كل فعل عن سببه الخاص وتعلقها في أفعال العباد بصدورها عن الفواعل عن مبادئها ومنها الاختيار الذي هو جوهر الإنسان وحقيقته، فلا يلزم أي محذور، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى محاضراتنا " الإلهيات " (1)، كيف وقال سبحانه: (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين) (التكوير: 29).
ثم إن أئمة أهل البيت عليهم السلام نددوا بالقول بخروج أفعال العباد عن مجال إرادته تعالى، قال الصادق عليه السلام: " من زعم أن الخير والشر بغير مشيئة الله فقد أخرج الله من سلطانه " (2).
وقال أيضا: " القدرية أرادوا أن يصفوا الله بعدله فأخرجوه عن سلطانه " (3).
فما ذهب إليه المعتزلي من خروج أفعال العباد عن مجال إرادته التكوينية على الإطلاق، أو ما ذهب إليه الأشعري من كونها متعلقة بإرادته على وجه المباشرة باطلان، والحق القراح تعلق إرادته بصدور كل فعل عن كل فاعل لكن عن مبادئه التي تعد علة مباشرية له ومنها الاختيار، فالإنسان مختار في فعله، فله أن يفعل وأن لا يفعل، لكنه مضطر في حريته واختياره، فلاحظ.
- 1 - حسن العاملي: الإلهيات: 2 / 292.
2 - الصدوق: التوحيد باب نفي الجبر والتفويض، الحديث 2 ص 359.
3 - الصدوق: التوحيد باب القضاء، الحديث 29 ص 382.
(٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 ... » »»