كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد (قسم الإلهيات) (تحقيق السبحاني) - العلامة الحلي - الصفحة ٨
أقول: يريد إثبات واجب الوجود تعالى وبيان صفاته وما يجوز عليه وما لا يجوز وبيان أفعاله وآثاره، وابتدأ بإثبات وجوده، لأنه الأصل في ذلك كله، والدليل على وجوده أن نقول: هنا موجود بالضرورة، فإن كان واجبا فهو المطلوب، وإن كان ممكنا افتقر إلى مؤثر موجود بالضرورة، فذلك المؤثر إن كان واجبا فالمطلوب، وإن كان ممكنا افتقر إلى مؤثر موجود، فإن كان واجبا فالمطلوب وإن كان ممكنا تسلسل أو دار وقد تقدم بطلانهما. وهذا برهان قاطع أشير إليه في الكتاب العزيز بقوله: * (أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد) * (1) وهو استدلال لمي (2).

(١) فصلت: ٥٣.
(2) الاستدلال اللمي هو الاستدلال بالعلة على المعلول، والإني هو العكس، فهذا النوع من الاستدلال الوارد في الكتاب ليس منهما، لأن الموضوع فيه هو الوجود المطلق من دون تقييد بالوجوب والإمكان.
نعم الاستدلال بوجوب وجوده على صفاته كما سيأتي من الماتن استدلال لمي، بل الاستدلال المذكور هو برهان الصديقين، وهو وإن قرر بوجوه مختلفة (1) ولكن المذكور أيضا أحدها، وقد ذكره الشيخ في الإشارات بالنحو التالي: " كل موجود إذا التفت إليه من حيث ذاته من غير التفات إلى غيره فإما أن يكون بحيث يجب له الوجود في نفسه أو لا يكون. فإن وجب فهو الحق بذاته، الواجب وجوده من ذاته وهو القيوم، وإن لم يجب لم يجز أن يقال: إنه ممتنع بذاته بعدما فرض موجودا، بلى إن قرن باعتبار ذاته شرط، مثل شرط عدم علته صار ممتنعا، أو مثل شرط وجود علته صار واجبا، وإن لم يقرن بها شرط لا حصول علة ولا عدمها، بقي له في ذاته الأمر الثالث وهو الإمكان. فيكون باعتبار ذاته، الشئ الذي لا يجب ولا يمتنع. فكل موجود إما واجب الوجود بذاته أو ممكن الوجود بحسب ذاته " (2).
- 1 - الأسفار: 6 / 14 تعليقة الحكيم السبزواري والعلامة الطباطبائي - قدس سرهما -.
2 - شرح الإشارات للمحقق الطوسي قسم المتن: 3 / 18.
وقال - بعد بحوث مفصلة حول البرهان المذكور -: " تأمل كيف لم يحتج بياننا لثبوت الأول ووحدانيته وبراءته من الصمات إلى تأمل لغير نفس الوجود، ولم يحتج إلى اعتبار من خلقه وفعله وإن كان ذلك دليلا عليه لكن هذا الباب أوثق وأشرف، أي إذا اعتبرنا حال الوجود فشهد به الوجود من حيث هو وجود وهو يشهد بعد ذلك على سائر ما بعده في الوجود، وإلى مثل هذا أشير في الكتاب الإلهي: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) (فصلت: 53).
أقول: إن هذا حكم لقوم ثم يقول: * (أولم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد) * (فصلت: 53).
أقول: إن هذا حكم للصديقين الذين يستشهدون به لا عليه " (1).
نعم هذا مسلكهم، وأما مسلك المتكلمين فهم يستدلون بحدوث العالم على وجود المحدث، كما أن الباحثين عن الطبيعة يستدلون بالحركة فيها على وجود المحرك، وقد أشار الحكيم السبزواري إلى الوجوه الثلاثة، قال:
" إذا الوجود كان واجبا فهو * ومع الإمكان قد استلزمه ثم الطبيعي طريق الحركة * يأخذ للحق سبيلا سلكه من في حدوث العالم قد انتهج * فإنه عن منهج الصدق خرج [وأما ضعف الوجه الثالث] لأن مناط الحاجة إلى العلة هو الإمكان فقط لا الحدوث، ولا الإمكان مع الحدوث " (2).
- 1 - شرح الإشارات للمحقق الطوسي قسم المتن: 3 / 66.
2 - الحكيم السبزواري: شرح المنظومة / 141 - 143.
(٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 ... » »»