الجملة الأولى التي قدمها وإن كان محتملا لغيره، فوجب أن يريد بها المعنى المتقدم الذي قررهم به على مقتضى استعمال أهل اللغة وعرفهم في خطابهم، وإذا ثبت أنه صلى الله عليه وآله أراد ما ذكرناه من إيجابه كون أمير المؤمنين عليه السلام أولى بالإمامة من أنفسهم، فقد أوجب له الإمامة، لأنه لا يكون أولى بهم من أنفسهم إلا فيما يقتضي فرض طاعته عليهم، ونفوذ أمره ونهيه فيهم، ولن يكون كذلك إلا من كان إماما.
فإن قال: دلوا على صحة الخبر، ثم على أن لفظة " مولى " محتملة لأولى وأنه أحد أقسام ما يحتمله، ثم على أن المراد بهذه اللفظة في الخبر هو الأولى دون سائر الأقسام، ثم على أن الأولى يفيد معنى الإمامة.
قيل له: أما الدلالة على صحة هذا الخبر فما يطالب بها إلا متعنت (1) لظهوره وانتشاره، وحصول العلم لكل من سمع الأخبار به، وما المطالب بتصحيح خبر الغدير، والدلالة عليه، إلا كالمطالب بتصحيح غزوات الرسول الظاهرة المشهورة، وأحواله المعروفة، وحجة الوداع نفسها، لأن ظهور الجميع، وعموم العلم به بمنزلة واحدة.
وبعد، فإن الشيعة قاطبة تنقله وتتواتر به، وأكثر رواة أصحاب الحديث يروونه بالأسانيد المتصلة، وجميع أصحاب السير ينقلونه ويتلقونه عن أسلافهم خلفا عن سلف، نقلا بغير إسناد مخصوص، كما نقلوا الوقائع والحوادث الظاهرة، وقد أورده مصنفوا الحديث في جملة الصحيح، فقد استبد هذا الخبر بما لا يشركه فيه سائر الأخبار لأن الأخبار على ضربين أحدهما لا يعتبر في نقله الأسانيد المتصلة كالخبر عن وقعة بدر وحنين