(فالغرابة فيه) أي في تشبيه الشمس بالمرآة في كف الأشل (من وجهين) أحدهما كثرة التفصيل في وجه الشبه والثاني قلة التكرر على الحس.
فان قلت كيف تكون ندرة حضور المشبه به سببا لعدم ظهور وجه الشبه.
قلت لأنه فرع الطرفين والجامع المشترك الذي بينهما انما يطلب بعد حضور الطرفين فإذا ندر حضورهما ندر التفات الذهن إلى ما يجمعهما ويصلح سببا للتشبيه بينهما.
(والمراد بالتفصيل ان ينظر في أكثر من وصف) واحد لشئ واحد أو أكثر بمعنى ان يعتبر في الأوصاف وجودها أو عدمها أو وجود البعض وعدم البعض كل من ذلك في أمر واحد أو أمرين أو ثلاثة أمور أو أكثر فلهذا قال (ويقع) أي التفصيل (على وجوه) كثيرة (أعرفها ان تأخذ بعضها) من الأوصاف (وتدع بعضا) أي تعتبر وجود بعضها وعدم بعضها (كما في قوله حملت ردينيا) يعنى رمحا منسوبا إلى ردينة (كأن سنانه، سنا لهب لم يتصل بدخان) فاعتبر في اللهب الشكل واللون واللمعان وترك الاتصال بالدخان ونفاه (وان تعتبر الجميع كما مر من تشبيه الثريا) بعنقود الملاحية المنورة باعتبار اللون والشكل وغير ذلك (وكلما كان التركيب) خياليا كان أو عقليا (من أمور أكثر كان التشبيه أبعد) لكون تفاصيله أكثر (و) التشبيه (البليغ ما كان من هذا الضرب) أي من البعيد الغريب دون القريب المبتذل (لغرابته) أي لكون هذا الضرب غريبا غير مبتذل (ولان نيل الشئ بعد طلبه ألذ) وموقعه في النفس الطف، وانما يكون البعيد الغريب بليغا حسنا إذا كان سببه لطف المعنى ودقته أو ترتيب بعض المعاني على البعض فان المعاني الشريفة قلما تنفك عن بناء ثان على أول ورد تال على سابق فيحتاج إلى نظر وتأمل (وقد يتصرف في) التشبيه (القريب) المبتذل (بما يجعله غريبا) ويخرجه عن الابتذال (كقوله:
لم تلق هذا الوجه شمس نهارنا * الا بوجه ليس فيه حياء) فتشبيه الوجه بالشمس قريب مبتذل الا ان حديث الحياء وما فيه من الدقة والخفاء أخرجه إلى الغرابة.