كتاب الصوم من مصباح الفقيه بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين كتاب الصوم والنظر في أركانه وأقسامه ولواحقه واما أركانه فأربعة الأول الصوم في اللغة الامساك فعن أبي عبيدة أنه قال كل ممسك عن طعام أو كلام أو سير فهو صائم وفي القاموس صام صوما وصياما واصطام امسك عن الطعام و الشراب والكلام والنكاح وعن ابن دريد كل شئ سكنت حركته فقد صام صوما وهو في عرف المتشرعة واطلاقات الشارع الكف حقيقة أو حكما عن المفطرات أي الأشياء التي أمر الشارع بالكف عنها من الأكل والشرب وغير ذلك مما ستعرفه مع النية أي قص القربة وعدم تقييده باليوم اما باعتبار ملاحظة الزمان ظرفا للصوم كما في قوله تعالى ثم أتموا الصيام إلى الليل أو بلحاظ وضوح اعتباره فلا حاجة إلى التصريح ويكفى في حصول النية المعتبرة في صحة الصوم العزم اجمالا على ترك المفطرات وان لم يعرف جميعها تفصيلا كما لو عزم على الاجتناب عن عدة أشياء يعلم بعدم خروج المفطرات عنها أو على الاجتناب عن كل شئ عدى ما يعلم أنه ليس منافيا للصوم بل يكفي عزمه على الصوم الصحيح المشروع الذي تصوره اجمالا وان لم يعرف القى أو الاحتقان أو الجناية مما ينافيه فلم يعزم على ترك مثل هذه الأشياء ولكنه نا واجمالا الخروج عن عهدة التكليف بالصوم كان زعم مثلا ان الصوم بالواجب عليه في شهر رمضان عبارة عن الامساك عن الأكل والشرب لا غير فنوى الخروج عن عهدة هذا التكليف بترك الأكل والشرب فتركهما بهذا العزم وترك ساير المنافيات أيضا من باب الاتفاق صح صومه لان عزمه على الصوم المشروع يجعل مثل هذه التروك ملحقا بالترك مع العزم وكيف كان فلا دليل على اعتبار أزيد من مثل هذا القصد في صحة الصوم بل الدليل على عدمه إذ لولا كفايته للزم بطلان صوم أغلب العوام الذين لا يعلمون بمفطرية بعض المفطرات وهو مما لا يمكن الالتزام به كما لا يخفى على من تدبر في النصوص والفتاوى المتكفلة لبيان حكمها نعم لو رجع قصده إلى العزم على الامساك عن خصوص ما يعرفه كما لو جعل معرفته طريقا لتشخيص الامر الشرعي فنوى امتثال الامر الشرعي المتعلق بالامساك عن خصوص هذا الشئ لا غير لم يصح وهى أي النية في الصوم كالصلاة وغيرها من العبادات التي اعتبر فيها قصد القربة اما ركن واما شرط لصحته ولا يترتب على تحقيق كونها جزا أو شرطا ثمرة مهمة وان كانت هي بالشرط أشبه كما حققناه في كتاب الصلاة وبينا هناك وكذا في نية الوضوء ان العبرة في صحة العبادات المشروطة بالنية انما هي بحصولها بعنوان الإطاعة والتقرب بان يكون الباعث على ايجادها العزم على الخروج عن عهدة التكليف المتعلق بها لا غير ولا يتوقف ذلك على حصول إرادة تفصيلية مقارنة لأول انات الاخذ في الإطاعة بل على كونها مسبوقة بإرادة تفصيلية مؤثرة في حصولها بهذا العنوان كغيرها من الأفعال الاختيارية الصادرة من العقلاء لسائر أغراضهم المتصفة لديهم بكونها صادرة عن عزم وإرادة فليس جواز تقديم النية في الصوم مخالفا للأصل ثابتا باجماع ونحوه كي يقتصر فيه على مقدار دلالة الدليل كما قد يتوهم و لا يعتبر في الصوم ان يكون التروك المعتبرة فيه صادرة عن عزمه كما يعتبر ذلك في الأفعال الاختيارية الوجودية لان للتروك أسبابا لا تتناهى فربما يجتمع مع العزم على الترك عدم المقتضى للفعل فيكون الترك حينئذ مستندا في العرف إلى عدم المقتضى لا العزم على الترك الذي هو من قبيل الموانع فالذي يجب على من امر بترك فعل في مقام إطاعة هذا الامر ان يعزم على ترك ذلك الشئ ولا يفعله بان يجعل قصد الإطاعة مانعا عن ارتكابه بحيث لو حصل سائر اجزاء علة وجوده لاثر ذلك العزم في تركه لا ان يجعل سبب الترك منحصرا في هذا العزم بان يكون الترك دائما ناشيا منه فان هذا قد لا يكون مقدورا للمكلف إذا الذي يقدر عليه المكلف ان يختار ترك الفعل الذي يقدر على ايجاده لا ان يجعل سبب الترك منحصرا في عزمه عليه كما لا يخفى فالذي يعتبر في الصوم هو الكف عن المفردات أي تركها مع النية كما عبر به في المتن لا الترك الناشئ من النية كما قد يتوهم قياسا على العبادات التي تعلق التكليف فيها بالفعل بل لا يعتبر فيه بقاء داعيه في النفس حقيقة حال التلبس به كما اعتبرنا ذلك في الافعال الوجودية التي اعتبر وقوعها بعنوان الإطاعة فان عزمه في الليل على أن لا يأكل في الغد كاف في حصول مقتضاه وهو ترك الأكل في الغد ما لم ينقضه بنية خلافه فلو نام عقيب هذه النية أو غفل عن الاكل إلى أن ينقضي اليوم يكون نومه وغفلته مؤكدا التحقق ما يقتضيه هذه النية لا منافيا له وهذا بخلاف ما لو عزم على فعل الاكل في اليوم فإنه لا اثر لإرادته السابقة في تحقق الفعل الذي نواه ما لم يرسخ منها في النفس شئ يبعثها على ايجاده فيما يستقبل ولا حاجة إلى ذلك عند إرادة تركه لان الترك لا يحتاج إلى سبب محقق بل أسبابه اعدام مضافة منتزعة عن فقد كل جزء أو شرط من اجزاء علة الوجود وشرائطها فمتى عزم على ترك فعل فيما يستقبل يكون عزمه مقتضيا لحصول ذلك الترك في وقته واختيارا له من هذا لحين ولا ينتقض اثر هذا العزم الابنية الخلاف دون النوم والغفلة بل النوم أو الغفلة عن الاكل أيضا قد يكون من اثار هذه النية بحيث لولاها لم يكن ينام أو يغفل فصحة صوم النائم و وقوعه عبادة ليست مخالفة للقواعد وكيف كان فالذي يعتبر في صحة الصوم وغيره من العبادات انما هو فعله بقصد الإطاعة والتقرب إلى الله تعالى ولا يتوقف ذلك الا على تشخيص ماهية المأمور به وتمييزها عما يشاركها في الجنس حتى يتأتى القصد إلى ايجادها بداعي الإطاعة والتقرب فلا يجب معرفة وجه الفعل الذي تعلق به الطلب من كونه واجبا أو مندوبا أداء أو قضاء أو غير ذلك من التفاصيل التي التزم كثير من الأصحاب بوجوب معرفتها والقصد إليها في سائر العبادات الا إذا تعذر تعيين ما تعلق به الطلب الا بشئ من هذه الوجوه فيجب حينئذ لذلك كما تقدم تحقيق ذلك كله
(١٦٢)