تعلق بأستار الكعبة، وعاهد الله على ترك الهجاء والقذف اللذين [كان] ارتكبهما وقال: ألم ترني عاهدت ربى، إلى آخر الأبيات الأربعة.
ثم حدث عن أبي عبيد الله المرزباني بسند له أن الحسن البصري شهد جنازة النوار امرأة الفرزدق، وكان الفرزدق حاضرا، فقال له الحسن وهو عند القبر:
يا أبا فراس، ما أعددت لهذا المضجع؟ فقال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ ثمانون سنة فقال له الحسن: هذا العمود فأين الطنب؟ وفى رواية أخرى أنه قال: نعم ما أعدت، ثم قال الفرزدق في الحال:
أخاف وراء القبر إن لم يعافنى * أشد من الموت التهابا وأضيقا إذا جاءني يوم القيامة قائد * عنيف وسواق يسوق الفرزدقا لقد خاب من أولاد آدم من مشى * إلي النار مغلول القلادة أزرقا يقاد إلى نار الجحيم مسربلا * سرابيل قطران لباسا محرقا قال: فرأيت الحسن يدخل بعضه في بعض، ثم قال: حسبك، ويقال:
إن رجلا رأى الفرزدق في منامه (1) بعد موته، فقال: ما فعل الله بك؟ فقال:
عفى عنى بتلك الأبيات، انتهى.
وقال محمد بن حبيب في شرح المناقضات: إن الفرزدق حج فعاهد الله بين الباب والمقام أن لا يهجو أحدا وأن يقيد نفسه حتى يجمع القرآن حفظا، فلما قدم البصرة قيد نفسه وحلف أن لا يطلق قيده عنه حتى يجمع القرآن، وقال * ألم ترني عاهدت ربى... * الأبيات، وبلغ نساء بنى مجاشع فحش البعيث وجرير بهن فأتين الفرزدق مقيدا فقلن: قبح الله قيدك وقدهتك جرير عورات نسائك، فأغضبنه ففض قيده وقال قصيدة يجيبهما، منها: