الفروق اللغوية - أبو هلال العسكري - الصفحة ٣٩
كانت الإرادة، وبإرادته كان التقدير، وبتقديره كان القضاء، وبقضائه كانت المشيئة وبمشيئته كانت الإرادة، وبإرادته كان التقدير، وبتقديره كان القضاء، وبقضائه كان الامضاء. والعلم متقدم على المشيئة، والمشيئة ثانية، والإرادة ثالثة، والتقدير واقع على القضاء بالامضاء. فلله تبارك وتعالى البداء فيما علم متى شاء، وفيما أراد من تقدير الأشياء، فإذا وقع القضاء بالامضاء، فلا بداء. فالعلم بالمعلوم قبل كونه، والمشيئة في المشاء (1) قبل عينه، والإرادة في المراد قبل قيامه. والتقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيلها عيانا ووقتا، والقضاء بالامضاء من المبرم من المفعولات، الحديث. وبه ينحل قول مولانا أمير المؤمنين لما فر من حائط أشرف على الانهدام: " أفر من قضاء الله إلى قدره ".
إلا أن نسبة هذه المعاني إليه سبحانه على وجه المجاز لا الحقيقة، إذ المقصود من هذا الكلام: التقريب إلى الافهام.
إذا عرفت هذا فاعلم أن إرادته سبحانه على ضربين كمشيئته:
أحدهما: حتم: وهي الإرادة المتعلقة بالتكوين كالخلق، والرزق والاحياء، والإماتة، وتسخير الأفلاك، وبالجملة فكل ما هو ليس من أفعال العباد الاختيارية فهذه لا تختلف عن إرادته، وإليه أشار سبحانه بقوله: " ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا " (2).
الثاني (3): إرادة عزم: وهي (4) المتعلقة بأفعال العباد وأعمالهم الاختيارية من الأمور التكليفية، وهذه قد تختلف إذ ليس معنى إرادته فيها إلا أمره بها، ومحبته لها، وهذا لا يلزم منه الوقوع، وإلا لزم الجبر،

(1) في الأصلين: المنشأ. وهو تصحيف. (2) يونس 10: 99.
(3) في ط: وتانيهما. (4) في ط: إرادة المتعلقة.
(٣٩)
مفاتيح البحث: يوم عرفة (1)، الأكل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 ... » »»
الفهرست