مصباح الفقيه (ط.ق) - آقا رضا الهمداني - ج ١ق٢ - الصفحة ٦٣٧
للسؤال كاشف عن عدم خطور النجاسة في أذهانهم لا انهم فهموا من الاطلاقات المسوقة لبيان حكم اخر أي حلية العصير بعد ذهاب ثلثيه التي يلزمها الطهارة على تقدير كونه نجسا مثل هذا الحكم التعبدي الذي لا يدخل في الأذهان الا بنص صريح على وجه استغنوا بها عن المسألة عنه وعما يترتب عليه من الفروع الخفية كما لا يخفى وجعل بعضهم المدار في طهارة الثياب ونحوها على بقاء ما عليها من العصير حتى يذهب ثلثاه بالهواء ونحوه فتطهر تبعا لما عليها من العصير لا للعصير المغلى في القدر فلو مسح ما عليها وأزال عينه قبل ان يذهب ثلثاه بقي محله متنجسا فلو لاقى العصير بعد ذهاب ثلثيه نجسه فعلى هذا لا خصوصية للثوب والآلات بل حالهما حال ساتر الأشياء الملاقية للعصير والقول بطهارتها تبعا لما عليها انما يتجه على القول بعدم اعتبار كون ذهاب الثلثين بالنار وهو لا يخلو عن (من) تأمل وكيف كان فهيهنا فروع كثيرة متفرعة على القول بالنجاسة لا يهمنا التعرض لها بعد البناء على ضعف المبنى * (تذنيب) * قال في الجواهر في تحديد ذهاب الثلثين والمعتبر صدق ذهاب الثلثين من غير فرق بين الوزن والكيل والمساحة وان كان الأحوط الأولين بل قيل الأول انتهى * (أقول) * وهو كما قيل فان الوزن بمقتضى الاعتبار أخص مطلقا من غيره فلا شبهة في كفايته وفرض التخلف مجرد فرض لا تحقق له بحسب العادة هذا مضافا إلى استفادته من رواية عقبة بن خالد عن أبي عبد الله (ع) في رجل اخذ عشرة أرطال من عصير العنب فصب عليه عشرين رطلا ماء ثم طبخهما حتى ذهب منه عشرون رطلا وبقى عشرة أرطال أيصلح شرب تلك العشرة أم لا فقال ما طبخ على الثلث أوقية فهو حلال وخبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا زاد الطلا على الثلاث أوقية فهو حرام فان في تحديد الزائد بالأوقية شهادة على أن العبرة في المزيد عليه بالوزن واما الكيل فليس لخصوصيته دخل في الحكم بلا شبهة بل هو طريق لاحراز ذهاب الثلثين من حيث المساحة فلا وجه لجعله قسيما لها عدا انه اضبط من سائر الطرق التي يعتمد عليها العرف في احراز ذهاب الثلثين بحسب المساحة المبنية على المسامحة والتقريب فهذه الملاحظة جعل الكيل أحوط وكيف كان فالظاهر كفاية التقدير بالمساحة أيضا كالوزن من غير فرق بين احرازها بالكيل أو بغيره من الطرق كالاختبار بعود ونحوه لما أشير إليه من الصدق العرفي خصوصا مع غلبة اعتبار العصير عند الطبخ بالمساحة وتعسر اختباره بالوزن ولا ينافيه الخبران المتقدمان كما هو واضح هذا مع وقوع التصريح بالكيل في روايتي عمار الواردتين في كيفية طبخ نقيع الزبيب المتقدمتين في مبحث العصير لكنك عرفت في ذلك المبحث قصورهما عن إفادة كون التثليث لزوال التحريم فلا يخلو الاستدلال بهما للمدعى عن (من) مناقشة فليتأمل واعلم أنهم قد عدوا من المطهرات الانتقال والاسلام وقد اهملهما المصنف كما أنه أهمل الاستحالة أيضا عدا قسم منها وهو ما احالته النار ولعل وجهه عدم كون هذه الأمور مطهرات حقيقة بل هي مؤثرات في رفع موضوع النجاسة فيتبعه حكمه فما صنعه غيره من عد مثل هذه الأمور من المطهرات مبنى على المسامحة واما وجه التعرض لخصوص ما احالته النار فهو ما نبهنا عليه انفا من استشعار مطهرية النار بنفسها كالشمس أو استظهارها من بعض الأخبار القاصر عن اثباتها وكيف كان فالمراد بالانتقال هو حلول النجس في محل اخر حكم الشارع بطهارته عند اضافته إلى ذلك المحل كانتقال دم ذي النفس إلى غير ذي النفس من القمل والبق ونحوهما وقد مثل له أيضا بانتقال الماء المتنجس إلى باطن النبات والشجر وتنقيح المقام ان الانتقال قد يكون موجبا لانقلاب الموضوع واستحالته عرفا كما في المثال الأخير إذ المراد به صيرورة الماء النجس جزء من النبات والشجر لا مجرد رسوبه فيهما بحيث أمكن اخراجه بعصر ونحوه باقيا على حقيقته الأولى ومن هذا القبيل ما إذ صار دم ذي النفس أو غيره من النجاسات جزء من غير ذي النفس من لحمه أو عظمه أو دمه الطبيعي وهذا النحو من الانتقال من اقسام الاستحالة فلا وجه لجعله قسيما لها وقد عرفت حكمها من أنها توجب الحكم بطهارة المستحيل مطلقا من غير فرق بين مواردها ولا بين كون ما أحيل نجسا أو متنجسا وقد لا يكون الانتقال موجبا للاستحالة بل الموضوع بنظر العرف باق على حقيقته الأصلية ولكنه موجب لانقلاب النسبة وإضافة الشئ المنتقل إلى المحل المنتقل إليه مسلوبا اضافته عما كان مضافا إليه قبل الانتقال كدم الانسان المنتقل إلى جوف البق والبرغوث ونحوهما قبل ان يستحيل فإنه بمجرد الانتقال يسمى عرفا دم البق ولا يسمى دم الانسان الا جلافة ما كان ويحتمل أن تكون اضافته إلى الانسان أيضا كإضافة ما في المحجمة إليه على سبيل الحقيقة إذ لا تنافي بين الإضافتين فما في جوف البق بمنزلة ما لو جعل عظم انسان جزء من حائط فإنه يصدق عليه انه عظم انسان ويصدق عليه انه جزء من الحائط فهذا الدم أيضا يصدق عليه انه دم انسان بلحاظ أصله ويصدق عليه دم البق بلحاظ صيرورته جزء منه بنظر العرف لكن الأظهر كون اضافته إلى الأول مجازا والى الثاني حقيقة لصحة السلب في الأول وعدمها في الثاني بشهادة العرف وكيف كان فنقول في توضيح المقام انه إذا تغذى حيوان مما لا نفس له بدم انسان أو غيره من النجاسات واستقر في جوفه قبل ان تتصرف فيه معدته و تحليه إلى اجزائه وفضلاته على وجه عد عرفا شئ (شيئا) اخر غير ذلك الدم الذي دخل في جوفه فإن لم يوجب الانتقال اضافته إلى ذلك الحيوان إضافة حقيقية بان يعد عرفا من دمه كما لو شرب سمكة أو نحوها من دم انسان وبقى ذلك الدم بعينه في جوفه فإنه لا يطلق عليه دم السمك بل يصح
(٦٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 632 633 634 635 636 637 638 639 640 641 642 ... » »»