بها أحدا من الخلق، الزهد في الدنيا، وجعل الدنيا لم تنل منك شيئا. فكان سلام الله عليه كما قال النجم الزاهر ابنه محمد الباقر: والله إن عليا ليأكل أكلة العبد، ويجلس جلسة العبد، وانه ليشتري القميصين فيخير غلامه خيرهما، ثم يلبس الأخير، فإذا جاز أصبعه قطعه، وإذا جاز كعبه حذفه.
وقال (ع): لقد تزوجت فاطمة الزهراء، وما لي ولها فراش غير جلد كبش، كنا ننام عليه في الليل، ونعلف عليه الناضج في النهار، وما لي خادم غيرها. ولقد ولي علي (ع) خمس سنين، ما وضع أجرة على أجرة، ولا لبنة على لبنة، ولا قطع قطعيا، ولا ورث بيضاء ولا صفراء وإنه كان ليطعم الناس خبز البر واللحم، ويذهب إلى منزله فيأكل خبز الشعير والزيت والخل، وما ورد عليه أمران كلاهما لله رضى، إلا أخذ بأشدهما على بدنه، ولقد أعتق ألف مملوك من كد يداه، وعرق فيها وجهه، وإنه ليصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، وناهيك ما فاهت به ألسن أعدائه، وطبق الآفاق مما رق من مناقبه وراق، فمن ذلك اصطفاه من هذا العالم بالغ الحكمة، لمقتضى عظيم اللطف بهم وواسع الرحمة، فلما أراد الله أن يبرز نور نبوته من مكنون علمه في خير بريته، جعله المنذر وعلي الهادي إليه، فكان مما صنع الله به وزاده من الخير، ان قريشا أصابهم القحط الشديد والجدب المبيد، وكان أبو طالب كثير العيال، فقال رسول الله (ص) للعباس: يا عم إن أخاك ذو عيال كثير، وقد أصاب الناس ما ترى، فانطلق بنا نخفف عنه من عياله، آخذ أنا رجلا وتأخذ أنت رجلا، فنكفيهما عنه. قال العباس: نعم، فأتيا إلى أبي طالب، فقالا:
إنا نريد أن نخفف عنك عيالك، حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه، فقال أبو طالب: إن تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما، فأخذ رسول الله (ص) عليا فضمه إليه، فلما أمر الله تعالى جبرائيل أن يهبط إلى الأرض بإظهار الرسالة، وجد رسول الله قائما بالأبطح بين أمير المؤمنين وجعفر، وجلس جبرائيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه، وانتبه رسول الله صلى الله عليه وآله فأدى إليه جبرائيل الرسالة عن الله عز وجل.