محمد (ع) يوم الجمعة مع صلاة الغداة، وكان في تلك الليلة قد كتب كتبا كثيرة إلى المدينة، وذلك في شهر ربيع الأول لثمان خلون منه سنة ستين ومائتين من الهجرة، ولم يحضره إلا صقيل الجارية وعقيد الخادم ومن علم الله غيرهما - وهو القائم عجل الله فرجه - فدعا بماء قد غلى بالمصطكي، فجئنا به إليه، فقال: ابدؤوا بالصلاة فوضئوني، فجئنا بالمنديل فبسطناه في حجره وأخذ ابنه الماء من صقيل فغسل به وجهه وذراعيه مرة مرة، ومسح على مقدمة رأسه وظاهر قدميه مسحا وصلى صلاة الصبح على فراشه، وأخذ القدح ليشرب وجعل القدح يضطرب ويضرب ثناياه ويده ترتعش، فأخذت القدح من يده ومضى (ع) من ساعته ودفن في داره بسر من رأى إلى جانب أبيه (ع)، وصار إلى كرامة الله تعالى وقد كمل عمره تسع وعشرون سنة.
قال وقال لي ابن عباد في هذا الحديث، قدمت أم أبي محمد من المدينة واسمها حديث حين اتصل بها الخبر إلى سر من رأى، فكانت لها أقاصيص يطول شرحها مع جعفر في مطالبته إياها بميراثه وسعايته بها إلى السلطان، وكشف ما أمر الله تعالى بستره، وادعت عند ذلك صقيل أنها حامل فحملت إلى دار المعتمد، فجعلن نساء المعتمد وخدمه ونساء القاضي ابن أبي الشوارب يتعاهدن أمرها في كل يوم ووقت، إلى أن دهمهم أمر الصفار وموت عبد الله بن يحيى بن خاقان بغتة، وخروجهم من سر من رأى وأمر صاحب الزنج بالبصرة وغير ذلك وفي هذا قيل:
[مضى خير خلق الله بعد محمد * وآبائه تلك الكرام الأماجد] [قضى وهو مسموم فوا لهفي لهم * فيا لك من نور إلهي خامد] [فلا وفق الله الموفق إذ أتى * بخطب شنيع يا له من منابد] [أدك رواسي الكائنات بأصلها * وطبق أرباب النهي والفوائد] [وأخمد نور الله بعد سنائه * وعطل أركان الهدى في الهوامد] [فيا قلبي المضنى أدم في صبابة * ويا دمع عيني سل دما غير نافد]