موضعها أذرعا، وإذا بماء يفوق على الشهد، فشربوا منه وارتووا، ثم وضع الصخرة وعفى الموضع، ونزل الراهب، فقال: إن الدين مبني على معرفة قالع الصخرة ومظهر الماء المعين، فمن يكون هذا؟ قالوا وصي رسول الله، فأسلم وتبعه حتى استشهد معه.
قال الأصبغ بن نباتة: لما التقى الجيشان بصفين، مضيت إلى معاوية ومعه ملا من أصحابه، ودفعت إليه كتابا من أمير المؤمنين فقرأه ثم قال: إن عليا لا يدفع إلينا قتلة عثمان، فقلت له: يا معاوية لا تتعلل علينا بقتلة عثمان، لأنك تطلب الملك والسلطان، ولو أردت نصره لنصرته حيا، لكنك تربصت به لتجعله سببا إلى وصول الملك إليك. قال الأصبغ: فأردت أن أزيد غيظه، فقلت لأبي هريرة: أحلفك الله يا صاحب رسول الله أشهدت غدير خم؟
قال نعم، قلت: ما سمعت من رسول الله في علي؟ قال: سمعته يقول:
من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيثما دار. فقلت له: إنك واليت عدوه وعاديت وليه، فتنفس صعدا وحولق وتغير وجه معاوية، فانتهرني وقال:
لا تخدع أهل الشام عن طلب دم عثمان، وعند صاحبك قتلته، وقد أغراهم به فهم اليوم عضده وأنصاره، قال: فمضيت إلى أمير المؤمنين (ع) وأخبرته، فقال: إني لا أعجب من بغض معاوية وحسده، لكنما عجبي ممن رأى منزلتي من رسول الله كأبي هريرة وأبي الدرداء وغيرهم، وقد أزمعوا على قتالي، ثم عقد الألوية للحرب، فلما رأى أصحاب رسول الله (ص) لواءه بكوا لتذكار رسول الله، وبكى أمير المؤمنين بكاء شديدا، وقال لمالك الأشتر: إن معي راية لم أخرجها منذ قبض رسول الله إلا يومي هذا، وقد قال لي رسول الله (ص) عند وفاته: يا أبا الحسن إنك لتحارب الناكثين والقاسطين والمارقين، وأي تعب ونصب يصيبك من أهل الشام فاصبر على ما أصابك إن الله مع الصابرين، قال: وسبق أهل الشام على الماء، ومنعوا أصحاب أمير المؤمنين (ع) الماء، فشربوا ماء آسنا حتى فشى فيهم السقم، فأرسل