نظرات في الكتب الخالدة - حامد حفني داود - الصفحة ١٠٢
يقول أبو حنيفة مقرا له بالأستاذية، وفضل السبق: (لولا السنتان لهلك لنعمان) يقصد بهما السنتين اللتين اغترف فيها من علم جعفر بن محمد ويقول مالك بن أنس: (ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد) ولقد كانت الطامة أعظم حين خرج على الناس بعض المحدثين الذين ينتحلون لا نفسهم سمعة العلم، ويأتزرون بإزار المعرفة، وليتهم تواضعوا، وتنزهوا عن رفع أنفسهم فوق قدرها لما أعلنوا الثورة على الفرق الإسلامية وأفردوا الشيعة بأعظم جانب منها. فأفسدوا فيما كتبوا مناهج البحث العملي، وأوصدوا دونهم أبواب العلم.
وكان - للأسف الشديد - أستاذنا أحمد أمين واحدا من هؤلاء النفر الذين حجبوا عن أنفسهم نور المعرفة في ركن عظيم من أركان الحضارة الإسلامية ذلك الركن الذي سبق فيه الشيعة غيرهم من بناة الحضارة الإسلامية، والتراث الإسلامي، فكان هذا المسلك هنة سجلها التاريخ الإسلامي كما سجلها على غيره ممن حذا حذوه من أساتذة الجامعات الذين آثروا التعصب الأعمى على حرية الرأي، وجمدوا بآرائهم عند مذهب بعينه.
وليس ذلك بالطريق السوي الذي يسلكه المحققون من الباحثين ولعل أعظم هذه الأخطاء التاريخية التي أفلتت من زمام هؤلاء الباحثين وغم عليهم أمرها فلم يفقهوها ويفطنوا إليها هذه المفتريات التي افتروها على علماء الشيعة حين لفقوا عليهم قصة (عبد الله بن سبأ) فيما لفقوه من قصص أشرت إلى بعضها في مؤلفاتي (1) - وزعموا أن كل خرافة أو أسطورة.

1 - أنظر مقدمة كتاب الدكتور حامد حفني داود (مع أحمد أمين)
(١٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 96 97 99 100 101 102 103 104 105 107 108 ... » »»