نظرات في الكتب الخالدة - حامد حفني داود - الصفحة ٩٣
أقول: لولا التصوف وطرقه العديدة في هذه الفترة، لكانت أسباب الفرقة بين السنة والشيعة أعمق وأشد مما كانت، ولكن المتصوفة بفضل ما استلهموه من آداب الإسلام، وأخلاق النبي الأعظم وما عرفوا به من تواضع ونبذ للعصبيات، وعزوف عن وضر الدنيا وزخارفها كانوا أشبه بصمام الأمن بين شقي أمة محمد عليه السلام، حين كانوا - بحكم طبيعة سلوكهم - دعاة للتآخي والتراحم، عاملين بالكتاب والسنة.
ولكن الاتجاه للصوفي وحده لا يكفي لعلاج أسباب الفرقة وقتل الخلافات المذهبية: لأنه يعتمد أكثر ما يعتمد على الأساليب في علاج المشاكل التي أشعلها المستعمر ونفخ في أوارها بين الفريقين.
ومن ثم كان لا بد لهذا الموقف من وثبة إصلاحية ونهضة علمية تعالج أسباب الخلاف علاجا جذريا.
عند ذلك ينبري هذان العلمان من بين المعسكرين السني والشيعي في فترة من أحلك الفترات التي حدثناك عنها وقد جاءا في عصر كان الفكر الإسلامي فيه أحوج ما يكون إلى من يرأب هذا الصدع ويصلح هذا الخلل الذي تدخلت فيه كل هذه العوالم السالفة لهدم الوحدة الإسلامية وكأن عناية الله سبحانه لهذه الأمة التي يقول عنها سيد الأنبياء: لم تعط أمة من اليقين ما أعطيت أمتي، أن يقيض هذين العاملين ليتربعا على عرش الفكر الإسلامي في مطلع هذا في وقت أحوج ما يكون فيه الإسلام لمن يدير أموره ويوحد صفوفه، ومن ثم كان هذا الكتاب الجليل لبنة متينة في التقريب بين شطري المسلمين، وإزالة أسباب الخلافات المذهبية بينهما.
لقد تعرض الكتاب لعدة موضوعات لا يزال الشيعة يعتبرونها أصلا أصيلا
(٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 99 ... » »»