نظرات في الكتب الخالدة - حامد حفني داود - الصفحة ١٣٧
أقول، ولو أهل الأرض جميعا ومثلهم معهم أجمعوا على حرب الإسلام ومناصبته العداء ما نقصوه شيئا من جلاله، ولو أن أهل الأرض جميعا ومثلهم معهم اعتنقوا مبادءه ما زادوه جلالا على جلاله فسر هذا الإسلام في مبادئه المثالية، وسر هذه المبادئ مشخص في ذات المبادئ نفسها وليس في الأشخاص وهذه الفئة لا يدركها إلا الراسخون في العلم.
ومن ثم فإنه لا يضير الإسلام بحال من الأحوال أن يعرض الصحابة للنقد، وأن يتناول الباحثون أقوالهم وسير حياتهم وسلوكهم بالتفنيد والتحليل بل إن الإسلام الذي وضع مبادئ العدالة في الأحكام ومبادئ المساواة بين الأشخاص يبيح ذلك النقد وذلك التحليل، بل يحث عليه ويأمر به ما دام ذلك النقد قصد به السعي وراء الحقيقة والدعوة إلى الطريق السوي وما لنا نذهب بعيدا عن هذا الذي نقصد إليه ونتوخاه!!.
وقد رسم لنا المصلح الأكبر محمد عليه السلام هذا المنهاج العادل في الحكم على الناس جميعا، حين حثنا بطريق مباشر وغير مباشر أن نستمسك بكلمة الحق لذاتها دون مراعاة للأشخاص، وأن ننصر الحق وإن كان في جانب الضعيف الحقير، وأن نكيد للباطل وإن كان في جانب القوي العظيم، وأن لا نفرق بين الشريف والوضيع في تنفيذ حدود الله تعالى وقد جاء في الأحاديث الصحيحة أن أسامة بن زيد - وهو حب رسول الله وابن حبه - استشفع عنده في امرأة من أشراف قريش سرقت، ولكن المصلح الأكبر أبى أن يعطل حكم الله فيها، وأرسل قالته المشهورة الخالدة:
(أيها الناس إنما أهلك الذين قبلكم، إنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف
(١٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 ... » »»