مجموعة الرسائل - الشيخ لطف الله الصافي - ج ٢ - الصفحة ٤٥١
شوال المكرم 1382 لطف الله الصافي (26) الرسالة السادسة وعشرون معا لم الدولة الكريمة بسم الله الرحمن الرحيم دعاء اللهم انا نحمدك على أن أكرمتنا بولاية وليك وابن أوليائك، كلمتك التامة والعروة الوثقى، صاحب دولتك العظمى والولاية الكبرى، الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا.
ونصلي ونسلم على حبيبك وصفيك رحمتك على العالمين أبى القاسم محمد وآله الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) اللهم كن لوليك وحجتك الامام المهدى المنتظر والعدل المشتهر، صلواتك عليه وعلى آبائه واجعلنا في شيعته وأنصاره.
اللهم لا تنسنا ذكره، وثبتنا على الايمان به، واعطنا قوة اليقين بظهوره وأيامه، وبلغه منا تحية وسلاما.
اللهم طهر به بلادك من المبدعين والمبطلين، وأحي به ما محى من آثار المرسلين، وجدد به معالم كتابك المبين، وادفع به عنا مكائد إبليس اللعين، وأعوانه الظالمين.
اللهم أنت العالم بان عبادك قد ابتلوا بجاهلية، وبعدوا حتى عن كرامة الانسان في الجاهلية التي قضى عليها الاسلام، الا وهي جاهلية عصر الذرة، جاهلية المفتونين المغرورين بقوة التكنيك والصناعة، جاهلية رفض الآداب الانسانية والسقوط في هاوية الحيوانية، جاهلية أوربا وأمريكا والصهيونية والعلمانية.
اللهم وهذه أمريكا الطاغية المتحردة المستكبرة قد عملت في الأرض وبسطت سيطرتها على ديار الاسلام حتى الحرمين الشريفين، وجعلت المسلمين شيعا متفرقين وجعلت لكل قطر منهم حكومة خاصة، لئلا تتحقق للمسلمين الوحدة السياسية القاضية على السياسات الاستعمارية.
اللهم فأر الطغاة بأسك، واخمد فتنتهم، وفرق جموعهم كما أخمدت فتنة الملحدين الماركسيسين في روسيا وفرقت جموعهم، وأظهرت بطلان دعاويهم وجعلتهم عبرة للعالمين.
اللهم أنت العالم بما يجرى علينا في إفريقيا وآسيا وسائر أقطار أرضك.
اللهم فوحد كلمتنا، واجعلنا يدا واحدة على أعدائك.
اللهم وهولا المسلمون المخلصون في إيران الاسلامية وفى أنحاء العالم قاموا في مواجهة الاستكبار غيرة على الاسلام والمسلمين لكي يسدوا الطريق على الطغاة ويدفعوا نواياهم الخبيثة عن البشرية البائسة المضطهدة جمعاء.
اللهم انصرهم نصرا عزيزا، وامنحهم رعاية وليك وحجتك، ودعاه ورأفته، واجعل كلمتهم العليا، وكلمة الباطل السفلى، انك على كل شئ قدير.
حديث مع منتظري المهدي عليه السلام أخي وأختي العزيزين اللذين أنتما في انتظار صاحب الامر المهدي عليه السلام ليلا ونهارا، تأملون ان يأتي ذلك الزمان فتفيض أعينكم بالدمع لكي تكونوا في خدمته، وتنالوا الدرجة العليا بالتشرف برؤيته والشهادة بين يديه.
اقرأوا في أيام عيد الفطر وعيد الأضحى ويوم الغدير وكل يوم جمعه دعاء الندبة، وبحرقة وشوق صبوا دموعكم وضجوا ببكائكم، ومدوا بأي شكل من الاشكال جسورا حية بينكم وبين حجة الله تعالى.
تحية وثنا لهذه الاحساسات الطاهرة، ثبتكم الله على هذه الحالة النورانية الروحانية، لقد فزتم فوزا عظيما.
أعزائي المنتظرين: أنتم تعلمون بان رضا امام الزمان هو الفوز الأكبر، والخصوصيات التي تقرؤونها في هذه الكتابة تؤيد ان من خصائص النظام الاجتماعي ان تكونوا في انتظاره، وفى كل قدم تعيشونه في خط الولاية عليكم ان تعرفوا هذه الخصوصيات بشكل لائق.
ولكي تكونوا أعضاء في هذا المجتمع العالمي والإلهي عليكم ان تحبوا هذه الخصوصيات وتسعوا لتحقيقها في مجتمعكم.
اما الأشخاص الذين هم ضد ذلك فعليهم ان يعيدوا النظر من جديد ويتحولوا نحو القيم الاسلامية، وان يثبتوا صدقهم في الادعاء بانتظار صاحب الامر (عج) من اجل تنفيذ احكام الله تعالى وإقامة العدل والقسط، واحقاق الحقوق، وسيادة الصفا، وحفظ الشخصية الاسلامية، كل ذلك ليكون سببا لرضى صاحب الامر الموعود من جده رسول الله صلى الله عليه وآله.
(اللهم انا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الاسلام وأهله) الامل بدولة العدل العالمية ان توجيه المجتمعات الاسلامية نحو الأمة الواحدة ودولة العدل العالمية هو أحد البرامج المهمة لرسالات الأنبياء عليهم السلام خصوصا رسالة خاتم الرسل صلى الله عليه وآله، وهو الامر الذي يتم بشكل حتمي عند ظهور حضرة المهدي عليه السلام، حيث يدار المجتمع والحكومة تحت نظام وقانون واحد، انه وعد إلهي صرح به القرآن الكريم، ودلت عليه الأحاديث المتواترة جدا. من جملتها في سورة التوبة الآية (33) وفي سورة الصف الآية (9) تقول:
(هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله).
والأدباء يعلمون إذا كانت اللام في (ليظهره) لام الغاية أو النهاية فمفهوم هذه الآية ان الله سوف يتم دينه ويوصله إلى مرحلة الكمال ويتسلط على كل الأديان ويغلب.
وإذا كانت اللام للعلة فتكون العلة غائية، وهي بعث الرسول لتكون الغلبة بالنتيجة لدينه على كل الأديان.
وكذلك في هاتين السورتين يعد الله بان سعى الكفار الذي يسعونه بألسنتهم سوف يطفؤه الله بنوره، فرسمهم على الماء سوف يكون بلا نتيجة، وسوف يتم الله نوره.
وفى سورة الأنبياء والنور والقصص والصافات، وفى سور أخرى في القرآن آيات كثيرة تتضمن الوعد والبشارة بهذا الظهور وهذه الحكومة الإلهية.
وفى الأحاديث المعتبرة التي رويت في جوامع الحديث والصحاح والأسانيد الشيعية والسنية أيضا تصريح بهذا الوعد، وهناك الرواية المعروفة التي توكد على حتمية هذا الظهور حتى ولو وقع متأخرا.
وتشعر بان هذا الظهور يسبقه امتداد زماني طويل وهي:
(إذا لم يبق من الدنيا الا يوم واحد فسوف يطيله الله تعالى حتى يظهر الامام الموعود فينشر القسط والعدل بعد أن ملئت ظلما وجورا) وبديهي ان كل مؤمن بالله ورسوله سوف يعتقد بوقوع هذا الامر، لان الله سبحانه وتعالى قادر على كل شئ، وكل هذه العوالم الكبيرة والصغيرة وهذه المليارات من المنظومات ومليارات المجرات العظيمة، وهذه العجائب والقوى التي في ذرات هذا العالم... مخلوقة له عز وجل، وقد رأينا ان الله تعالى قد حير العقل البشرى في أصغر مخلوقاته وشغله في البحث في علومها..
فالله تعالى قادر على مبدأ هذا الظهور وعلى اتمامه وتهيئة أسبابه، ولا شك في صدق أنبيائه الذين أخبروا بكثير في الغيب ومستقبل العالم ومستقبل بعض الأشخاص فنحن نلاحظ انه من بداية ظهور الاسلام أعلن القرآن الكريم عن اخبار غيبية واحداث سوف تقع، وكذلك أخبر النبي صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام بأمور كثيرة ووعدوا أشخاصا بحصول أشياء، فكان يثبت صدق ذلك، وأيقن بذلك أولئك الأشخاص وازدادوا ايمانا.
لذلك فان المسلمين المؤمنين أصحاب القلوب المضيئة، الذين أضاءوا بالله ورسوله ومن والاهم حرى بهم ان يؤمنوا بوعودهم ويصدقوا تنبواتهم.
يضاف إلى ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله في بداية البعثة، وفى الوقت الذي لم يكن قد آمن به سوى عمه أبى طالب وولده العزيز وزوجته صاحبة القلب الحي المطلع خديجة عليهم السلام، أعلنوا ايمانهم به اعلانا، وأعلن أبو طالب حمايته لابن أخيه وحضرته له، مثل مؤمن آل فرعون الذي كان يكتم ايمانه.
وبعبارة أخرى، كان النبي في فئة قليلة معدودة وكانت الأطراف، المقابلة له من عبدة الأوثان عصاة أقوياء، فكانت كل الدنيا ضده، وقابلوا دعوته للاسلام بالسخرية والاستهزاء، ومع ذلك كان روحي له الفدا، يدعو الناس إلى أن يقولوا (لا إله إلا الله) ويبشر بأنه سيهزم المستكبرين في العالم، ويذلهم ويخرج أموال الأرض وكنوزها، وينفقها على الفقراء، مع أنه لا يملك أي قوة عسكرية، أو تجهيزات للقتال، أو الامكانيات اللازمة.
فكان الوعد بها حسب تعبيرنا اليوم محالا وبعيدا، لكن رأى الناس ان الزمان، استدار بسرعة في مدة قصيرة هي ثلاثة وعشرون سنة، واخذ الاسلام بحل المشاكل الكبيرة الواحدة تلو الأخرى، واخذ الناس يدخلون في الاسلام أفواجا تعقب أفواجا، وقضى الاسلام على العادات الجاهلية التي لم يستطع أكبر الملوك ان يقضوا عليه أو يغيروها.
لقد تحررت النساء في ذلك المجتمع الانساني من العبودية والسبي، ونسخت كل المعاملات القبيحة من الربا والقمار والميسر والفحشاء والسبي وقطع الطرق، وحلت محلها الأخلاق الصافية الانسانية، وأهم من هذا كله ان عبادة الأوثان التي كانت تتلاعب بدماء واعراض وارواح الناس قضى الاسلام عليها، وهزم دين التوحيد ظلمات الشرك وعاداته الراسخة، ورقق تلك القلوب الخشنة المتحجرة، وأضاءها بنوره وبصوت (اشهد ان لا إله إلا الله).
علاوة على ذلك، فقد ساد نظام حكم إلهي في مكة والمدينة وكل شبه الجزيرة، فطوع النبي صلى الله عليه وآله القلوب لدعوته ومهد للمستقبل، حتى توسع الاسلام ودخل إلى قلوب الناس مثل شعب إيران الذي حرره الاسلام من ظلم الاستبداد الملكي والسياسة الطبقية، فلم يمض قرن واحد حتى كان الاسلام قد وصل في الشرق إلى جدار الصين، وفى الغرب إلى المحيط الأطلنطي.
بهذه المعطيات. كان صدق دعوة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، وبقوة هذه الدعوة كانت رسالته تنفذ إلى قلوب الناس من وراء الحجب الضخمة من العادات التي كانت سيطرت على الناس والشعوب، عادات سقيمة وتعصبات جاهلية وأخلاق قبيحة وهمجية، فكان الاسلام يغير الناس ويصنعهم من جديد.. وبهذا الوضع المضي أمكن للمسلمين ان يتقدموا ويبطروا، ويفتحوا العالم، وغلبوا جيوش الفرس والروم، ولم يخافوا منهم مع كل الصور المحيطة بقدرتهم والأساطير التي كانت حولهم.
كل هذه الوقائع كان رسول الله صلى الله عليه وآله، قد أخبر بها، فظهر صدق دعوته.
من اجل هذا فلا عجب ان يكون الجميع في انتظار هذا الوعد القرآني، وظهور
(٤٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 446 447 448 449 450 451 452 453 454 455 456 ... » »»