ولكن لما لم يجد شيئا يمنع عن التقريب والتجاوب بين الطرفين جاء بهذا البهتان العظيم، ونسب الشرك والكفر بالقول بتأليه أئمة آل البيت إلى طائفة كبيرة من المسلمين المؤمنين الموحدين، الذين يشهدون في مآذنهم وإذاعاتهم بكلمة التوحيد، ويتبرؤون عمن يعتقد تاليه الأئمة وغيرهم، أو يرفعهم عن مرتبة البشر.
فليس ما بينهم شئ يمنع عن التقريب والتجاوب، وليس معنى التقريب ان يترك الشيعي مذهبه ويصير سنيا أو بالعكس 8، بل معناه ان يترك كل على اجتهاده فيعيشوا في مجال أوسع من هذا المجال، وان يتركوا العصبيات الباردة، ويعترف كل واحد منهم للاخر بالحقوق الاسلامية، لا يتهم السني الشيعي بالشرك والكفر، والاستهانة بالفرائض وفعل المحرمات، ولايتهم الشيعي السني بالنصب وعداوة آل البيت، فلا يسيرون الا على ضوء الحقايق فيأولون بعض ما يصدر عنهم بحسب اجتهادهم في الكتاب والسنة بما يتأولون بعض ما صدر من السلف، فان حاجة المسلمين بهذه التأولات فيما بين أنفسهم في عصرنا أكثر وأشد من حاجتهم إلى تأويل اعمال السلف، فان حسابهم على الله، والزمان حال بيننا وبينهم.
ان الشيعة لا يعتمدون على الافتراء والأكاذيب حين يناقشون غيرهم، بل يعتمدون على الكتب المعتبرة الموثوق بها عندهم، ولا يقابلون الشتيمة بمثلها كشتائم الخطيب وغيره ممن لا نريد سرد أسمائهم، وسيحكم الله بينهم وبين هؤلاء يوم يحكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون.
فالشيعة ارضى الفريقين بالتقريب، وقد خطت في سبيله خطواتها الواسعة، ولكن من يريد بقاء الملا الاسلامي في ظلمة المناقشات والمنافرات لتبقى عليهم سلطة الاستعمار لا يحب التقريب وتحقق الاخوة الاسلامية بين الطائفتين، لا يحب ان يعيش أهل القبلة كلهم في عالم واحد معتصمين بحبل الله، فيفتري على الشيعة أمورا لم تخطر على قلب شيعي، وينسب إليهم من العقايد ما هم أبعد منه من المشرق إلى المغرب