الذي أردى المسلمين في مثل هذا الضعف والانحلال، والسقوط في أحضان الاستعمار وجد أن سبب هذا التنافر والتشاجر جله أو كله يرجع إلى سياسات غابر انتهت وكانت من نتايجها إبادة أربابها، ويدرك كما أدرك المصلحون ودعاة الوحدة والتقارب ان الاسلام لن تعود إليه دولته الذاهبة الا إذا عادت إلى المسلمين وحدتهم في ظل الاسلام.
والواقع: ان من أعظم الأسباب في نشوب هذه المعارك المذهبية انما هو جهل كل طائفة بآراء الطائفة الأخرى، وان التقارب بين المذاهب الاسلامية امر ممكن إذا ما قدر للمسلمين ان يعيشوا في أفق أعلى وأنزه مما عاشوه في بعض أجيالهم الماضية.
بل إن ذلك ضرورة حتمية لمصيرهم ومستقبلهم، وليس ذلك من المستحيل كما زعمه الخطيب، بل يمكن ان يعيش المسلمون في محبة ووئام، كما عاش خيار الصحابة في صدر الاسلام، مع اختلافهم في الرأي والفتيا، حيث كانوا اخوة أحباء، تتميز اخوتهم بالتفادي والايثار، ولم يفض اختلافهم في الرأي إلى جفوة أو بغضا، أو تدابر أو تقاطع أو شحنا.
نعم أدرك المصلحون ان المجتمع الاسلامي في عصرنا هذا لا يقبل تكفير المسلم المؤمن بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله بمجرد الزعوم والافترائات والخلافات الفرعية.
فليس إذا فكرة التقريب فكرة شيعية أو فكرة سنية فضلا عن أن تكون وليدة فكرة حكومة شيعية أو سنية، ولم تؤسس دار التقريب للتقريب بين السنيين والشيعيين فقط، بل تأسست للتقريب بين جميع المذاهب الاسلامية، وقد ساهم في تأسيسها من رجال العلم والدين أفذاذ لا يشك في صدق نياتهم.
واما ما ذكر من انفاق دولة شيعية على دار التقريب فنحيل الفاحص عن ذلك إلى أقطاب جمعية التقريب السنيين وغيرهم.
ولو سلم كون التقريب فكرة شيعية، وصدر من مبد شيعي فلماذا لا يقبله السني لأنه فكرة شيعية؟ ما الذي يمنع من التفكر والتأمل حول آراء الطرفين؟
وماذا يخسر السني إذا ما عرض له الشيعي آراه وعقائده لئلا يسى إليه الظن ولا يتهمه بالفسق أو الكفر؟
ان الشيعي لا يرى بذلك بأسا ولا يحس ضررا من أن يدرس عقائد أهل السنة ومذاهبهم فهو حر في دراسة جميع العقائد يقرا كتب أهل السنة وصحفهم ومجلاتهم.