عليها الزمان، فمضت العصور التي استعبدت الناس فيها جبابرة الأمويين والعباسيين، ومضت الاعصار التي كان فيها تأليف الكتب وجوامع الحديث تحت مراقبة جواسيس الحكومة.
مضت العصور التي كان العلماء فيها تحت اضطهاد شديد، والعمال والولاة يتقربون إلى الخلفاء والأمراء بقتل الأبرياء، ونفيهم عن أوطانهم وتعذيبهم في السجون، وقطع أيديهم وأرجلهم.
مضى الذين شجعوا العمل على التفرقة واختلاف الكلمة، واشعال الحروب الداخلية.
مضت السياسات التي سلبت عن مثل النسائي حرية العقيدة والرأي وقتلته شر قتلة.
مضى عهد الجبابرة الذين صرفوا بيوت أموال المسلمين في سبيل شهواتهم، واتخاذ القينات والمعازف هواية لهم.
مضت العصور التي سبوا فيها على المنابر أعظم شخصية ظهرت في الاسلام، لا يريدون بسبه الا سب الرسول صلى الله عليه وآله.
مضت الأزمنة التي كان يرمى فيها بعض المسلمين بعضهم بالافتراء والبهتان وحتى الكفر والالحاد.
مضت العصور المظلمة التي عاشت فيها كل فرقة وطائفة من المسلمين كأمة خاصة لا يهمها ما ينزل على غيرها من المصائب والشدائد، ولم يكن بينهم أي تعاون أو أدنى تجاوب.
نعم قد مضت تلك العصور، وظهرت في تاريخ الاسلام صحائف مشرقة مملوة بنور الايمان والاخوة الاسلامية، فقامت جماعة من المصلحين المجاهدين بالدعوة إلى الاصلاح والاتحاد، فأدركوا ان آخر هذا الدين لا يصلح الا بما صلح به أوله، وأعلنوا ان المستقبل للاسلام، و (ان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين).
فدعوا إلى اتباع الكتاب والسنة، ورفض العصبيات: العصبية الشعوبية، والعصبية المذهبية والقبيلية، فأدوا رسالتهم في شرق البلاد الاسلامية وغربها، ورزقهم الله التوفيق في توحيد الكلمة، وجمع شمل الأمة، فاثرت أعمالهم الاصلاحية في نفوس المسلمين اثرا جميلا، ولبى دعوتهم جم غفير من الغيارى على الاسلام من العلماء الأفذاذ وغيرهم.
فكان من ثمرات هذه الجهود الكبرى بل ومن أحلى أثمارها تأسيس دار التقريب بين المذاهب الاسلامية في القاهرة، واصدار مجلة (رسالة الاسلام) العالمية التي جعلت