فعليه، لا يضر بالتواتر اختلاف المتون والمضامين، بل في غير المتواتر أيضا من الأحاديث لا يضر الاختلاف بصحة ما هو الصحيح بين المتعارضين، وما هو أقوى بحسب السنة أو المتن أو الشواهد والمتابعات. وهذه أمور لا يعرفها إلا الحاذق في فن الحديث، وإلا فلو أمكن ترك الأحاديث بمجرد وجود تعارض بينها، لزم ترك جلها لولا كلها، ولتغير وجه الشريعة في أكثر الأحكام الفرعية، لأنه قل موضوع في العقائد والأحكام والتاريخ وتفسير القرآن الكريم وغيرها يكون أحاديثه سليمة عن التعارض، ولو بالعموم والخصوص، والإطلاق والتقييد.
فالمتبع في علاج هذه التعارضات التي لا يخلو كلام أهل المحاورة عنها وفي تشخيص الحديث الصحيح عن السقيم، والقوي عن الضعيف، والمعتبر والحجة عن غير المعتبر، هي القواعد المعتبرة العقلانية، والرجوع إلى مهرة الفن، ورد بعض الأحاديث إلى البعض، والجمع والتوفيق بينها في موارد إمكان الجمع والأخذ بما هو أقوى سندا، أو متنا، أو أوفق بالكتاب والسنة الثابتة وغير ذلك، لا ردها والإعراض عنها.
والأخبار التي وردت في المهدية كلها تلاحظ على ضوء هذه القواعد، فيؤخذ بمتواترها، ويعامل مع آحادها معاملة غيرها من أخبار الآحاد، فيقوى بعضها ببعض، ويفسر بعضها بعضا، ويؤخذ بالضعيف منها أيضا بالشواهد، والمتابعات، وغيرها من المؤيدات المعتبرة. فلا يرد مثل هذه الأحاديث إلا الجاهل بفن الحديث، والمثقف المعادي للسنة، والمتأثر بالدعايات الباطلة وأضاليل المستعمرين.
* * *