إلا أيدي الذين يريدون تضعيف التزام المسلمين وتمسكهم بنصوص الشريعة، فما يمنعهم عن النفوذ في بلاد المسلمين والسلطة عليهم إلا تمسك المسلمين بالكتاب والسنة، ولم يفتح لهم باب ذلك إلا بعد ضعف هذا الإلتزام والغفلة عنه. عصمنا الله تعالى من فتن أهل الزيغ والأهواء، وأذناب الاستعمار.
ومما يضحك الثكلى أن هؤلاء الذين اتبعوا أهواءهم كثيرا ما استندوا في تضعيف هذه الأحاديث تارة بأن هذه العقيدة ليست في أصلها من عقائد أهل السنة القدماء، ولم يقع لها ذكر بين الصحابة في القرن الأول ولابين التابعين، وأخرى بأنها سببت المنازعات والثورات على الحكومات، والدعايات السياسية، وثالثة ببعض اختلافات وقع في بعض أحاديثها مع البعض الآخر وهذا من غرائب ما تشبث به في رد السنة النبوية، أما أولا: فأي دليل أقوى على وقوع ذكرها بين الصحابة والتابعين، وان النبي (صلى الله عليه وآله) هو المصدر الأول لبث هذه العقيدة بين المسلمين، من هذه الأحاديث المتواترة، ومن إجماع المسلمين، ومن أنهم لم يردوا دعوى أحد من مدعي المهدوية بإنكار صحة خروج المهدي (عليه السلام)، بل ردوهم بفقدانهم الصفات والعلائم المذكورة له، كما تشهد بذلك حكاية محمد بن عجلان مع جعفر بن سليمان، وما قاله فقهاء أهل المدينة وأشرافهم (1).
فإذا لم تكن هذه الأحاديث مع كثرتها وتواترها، واتفاق المسلمين على مضمونها، دليلا، فبأي دليل يستند على صحة نسبة أية عقيدة إسلامية إلى الصحابة، وإلى الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)؟
وثانيا: فلعلك لا تجد عقيدة ولا أصلا لم تقع حولها المنازعات، والمخاصمات وقد وقعت حول الألوهية وحول النبوات المنازعات والمخاصمات أكثر من المهدية بكثير، كما وقع النزاع بين الأشاعرة وغيرهم، وبين أتباع المذاهب من الشوافع، والأحناف، والحنابلة، والمالكية، وغيرهم، منازعات وحروب كثيرة، بل يمكن أن يقال: إن العدل والأمن، وغيرهما من المفاهيم التي اتفق أبناء الإنسان كلهم على لزومها وقعت حولها