صلح الحسن (ع) - السيد شرف الدين - الصفحة ١٩
بالتطاول على الكرامات المجيدة، دون روية ولا تدقيق ولا اكتراث، فلا يدلون بتفريطهم في احكامهم الا على فرط الضعف في نفوسهم.
وليس يضر الحسن بن علي أن تظلمه الضمائر البليدة ثم ينصفه التمييز. وان لهذا الامام من مواقفه ومن مواهبه ومن عمقه ومن أهدافه ما يضعه بالمكان الأسنى من صفوة " العظماء " الخالدين.
وحسبنا من هذه السطور، أن تجلو عن طريق المنطق الصحيح الذي لا ينبغي أن يختلف عليه الناس، عظمة هذا الامام، خالصة من كل شوب، سالمة من كل عيب، نقية من كل نقد.
وكانت النقود التي جرح بها وقاح الرأي سياسة الحسن عليه السلام، أبعد ما يكونون - في تجريحهم - عن النصف والعمق والإحاطة بالظرف الخاص، هي التي نسجت كيان المشكلة التاريخية في قضية هذا الامام عليه السلام، وكان للشهوة الحزبية من بعض، ولمسايرة السياسة الحاكمة من آخر، وللجهل بالواقع من ثالث، أثره فيما أسف به المتسرعون إلى أحكامهم.
ونظروا اليه نظرتهم إلى زعيم أخفق في زعامته، وفاتهم أن ينظروا إلى دوافع هذا الاخفاق المزعوم، الذي كان - في حقيقته - انعكاسا للحالة القائمة في الجيل الذي قدر للحسن أن يتزعمه في خلافته، بما كان قد طغى على هذا الجبل من المغريات التي طلعت بها الفتوح الجديدة على الناس، وأي غضاضة على " الزعيم " إذا فسد جيله، أو خانت جنوده، أو فقد مجتمعه وجدانه الاجتماعي.
وفاتهم - بعد ذلك - أن ينظروا اليه كألمع سياسي يدرس نفسيات خصومه ونوازع مجتمعه وعوامل زمنه، فيضع الخطط ويقرر النتائج، ويحفظ بخططه مستقبل أمة بكاملها، ويحفر - بنتائجه - قبور خصومه قبرا قبرا، ويمر بزوابع الزمن من حوله رسول السلام المضمون النجاح، المرفوع الرأس بالدعوة إلى الاصلاح. ثم يموت ولا يرضى أن يهرق في أمره محجمة دم
(١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 14 15 16 17 18 19 20 21 22 25 26 ... » »»