" الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد على رغم أنف الراغمين أما بعد:
عرف المأمون كتابكم، وتدبير أمركم، ومخض زبدتكم، وأشرف على قلوب صغيركم، وكبيركم، وعرفكم مقبلين، ومدبرين، وما آل إليه كتابكم قبل كتابكم في مراوضة الباطل، وصرف وجوه الحق عن مواضعها ونبذكم كتاب الله والآثار، وكلما جاءكم به الصادق محمد (صلى الله عليه وآله)، حتى كأنكم من الأمم السالفة، التي هلكت بالخسفة والغرق، والريح والصيحة والصواعق والرجم.
أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها؟ والذي هو أقرب إلى المأمون من حبل الوريد، لولا أن يقول قائل: إن المأمون ترك الجواب عجزا لما أجبتكم، من سوء أخلاقكم، وقلة أخطاركم وركاكة عقولكم، ومن سخافة ما تأوون إليه من آرائكم، فليستمع مستمع، فليبلغ شاهد غائبا... ".
وحفل هذا المقطع من كلام المأمون بما يلي:
1 - انه ابتدأ رسالته بالصلاة على النبي، ثم عطف عليه آله فصلى عليهم وعقب ذلك بقوله: " على رغم الراغمين " وعنى الراغمين بنى العباس الذي جهدوا على محو ذكر آل النبي (ص) وإزالة أرصدتهم الروحية والفكرية من دنيا الاسلام.
2 - ان المأمون مطلع على خفايا نفوس العباسيين، وعالم بدخائل قلوبهم، عرفهم مقبلين ومدبرين، عرفهم مندفعين نحو الباطل نابذين للحق، تاركين لكتاب الله، وما جاء به الرسول الأعظم (ص).
3 - انه انما أجابهم عن رسائلهم لا عناية بهم، وانما كي لا يقال انه عاجز عن الجواب... ولنعد لنقرأ الفصل الثاني من رسالة المأمون.
" أما بعد: فان الله تعالى بعث محمدا (ص) على فترة من الرسل، وقريش في أنفسها وأموالها، لا يرون أحدا يساميهم، ولا يباريهم، فكان نبينا (ص) أمينا من أوسطهم بيتا، وأقلهم مالا فكان أول من آمن به خديجة بنت خويلد، فواسته بمالها، ثم آمن به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وهو ابن سبع سنين، لم يشرك بالله شيئا طرفة عين، ولم يعبد وثنا، ولم يأكل ربا، ولم يشاكل الجاهلية في جهالاتهم، وكانت عمومة رسول الله اما مسلم مهين أو كافر معاند، إلا حمزة فإنه لم يمتنع من الاسلام،