وكان سهل بن هارون بن راهبون كاتبا في (دار الحكمة)، وقد جعله المأمون خازنا على قسم من المكتبة وهي الكتب الفلسفية التي نقلت إليه من جزيرة (قبرص)، وذلك أن المأمون لما هادن صاحب الجزيرة ارسل إليه يطلب خزانة كتب اليونان، وكانت مجموعة عندهم في بيت لا يظهر عليها أحد فجمع صاحب الجزيرة بطانته وذوي الرأي، واستشارهم في حمل الخزانة إلى المأمون فأشاروا عليه بعدم الموافقة إلا مطران واحد فإنه قال له: الرأي أن تجعل بإنفاذها إليه فما دخلت هذه العلوم العقلية على دولة إلا أفسدتها، وأوقعت الخلاف بين علمائها، فأرسلها إليه، فاغتبط بها المأمون وجعل سهل خازنا عليها (1) وكان الخازن العام للمكتبة غيلان الفارسي، وكان ينسخ للرشيد والمأمون.
وظلت هذه الخزانة تغذي البحاثة وأهل العلوم بأنواع العلوم ولما استولى السفاك المغولي على بغداد عمد إلى اتلافها، وبذلك فقد خسر العالم الاسلامي أهم تراث له.
ترجمة الكتب:
وكان من مظاهر تطور الحياة العلمية والثقافية في ذلك العصر، الاقبال على تعريب اللغات الأجنبية، وقد تناولت كتب الطب والرياضة والفلك، وأصناف العلوم السياسية والفلسفية ذكر أسماء كثير منها ابن النديم في (الفهرست)، وكان يرأس ديوان الترجمة حنين بن إسحاق، وقد روى ابن النديم ان المأمون كانت بينه وبين ملك الروم مراسلات، وقد استظهر عليه المأمون فكتب إليه يسأله الاذن في إنفاذ ما يختار من العلوم القديمة المخزونة المدخرة ببلاد الروم فاجابه إلى ذلك بعد امتناع، فأوفد المأمون لذلك جماعة منهم الحجاج بن مطر وابن البطريق، وسلم صاحب (بيت الحكمة) وغيرهم فأخذوا مما وجدوا فلما حملوها إليه امر بنقلها فنقلت إلى (دار الحكمة) ((2) ومن الطبيعي أن تلك المعربة قد ساعدت على نمو الفكر العربي والاسلامي، كما ساهمت في تطور العلوم في البلاد الاسلامية فقد اشتغل الكثيرون من طلاب العلوم بتفقهها ودراستها.