وأما المنصور:
الذي أظهر نفسه في صورة مهدي كما يظهر من قول أبي دلامة مخاطبا أبا مسلم الذي قتله المنصور:
أبا مجرم ما غير الله نعمة * على عبده حتى يغيرها العبد أفي دولة المهدي حاولت غدرة * ألا إن أهل الغدر آباءك الكرد (1) والذي قتل خلقا كثيرا حتى استقام له الأمر (2).
فأمره في الظلم والجور وانتهاك الحرمات أشهر من أن يذكر، حتى لقد أنكر عليه ذلك: ".. رجل من أعظم الدعاة قدرا، وأعظمهم غناء، وهو أبو الجهم بن عطية، مولى باهلة. وهو الذي أخرج أبا العباس السفاح من موضعه الذي أخفاه فيه أبو سلمة، حفص بن سليمان الخلال، وحرسه، وقام بأمره حتى بويع بالخلافة، فكان أبو العباس يعرف له ذلك. وكان أبو مسلم يثق به، ويكاتبه.
فلما استخلف أبو جعفر المنصور، وجار في أحكامه، قال أبو الجهم:
ما على هذا بايعناهم، إنما بايعناهم على العدل، فأسرها أبو جعفر في نفسه، ودعاه ذات يوم. فتغدى عنده، ثم سقاه شربة من سويق اللوز، فلما وقعت في جوفه هاج به وجع، فتوهم: أنه قد سم، فوثب، فقال له المنصور: إلى أين يا أبا الجهم؟! فقال: إلى حيث أرسلتني، ومات بعد يوم أو يومين فقال: