ولقد بلغ دور المنافقين التخريبي من الشدة بحيث تعرض القرآن لذكرهم في سور عديدة هي: سورة آل عمران، والنساء، والمائدة والأنفال، والتوبة، والعنكبوت، والأحزاب، ومحمد، والفتح، والمجادلة، والحديد، والمنافقين والحشر.
فهل مع وجود مثل هؤلاء الأعداء الألداء والأقوياء الذين كانوا يتربصون بالإسلام الدوائر، ويتحينون الفرص للقضاء عليه، يصح أن يترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمته الحديثة العهد بالإسلام، الجديدة التأسيس من دون أن يعين لهم قائدا دينيا سياسيا؟
إن المحاسبات الاجتماعية تقول: إنه كان من الواجب أن يمنع رسول الإسلام بتعيين قائد للأمة،... من ظهور أي اختلاف وانشقاق فيها من بعده، وأن يضمن استمرار وبقاء الوحدة الإسلامية بايجاد حصن قوي وسياج دفاعي متين حول تلك الأمة.
إن تحصين الأمة، وصيانتها من الحوادث المشؤومة، والحيلولة دون مطالبة كل فريق الزعامة لنفسه دون غيره، وبالتالي التنازع على مسألة الخلافة والزعامة، لم يكن ليتحقق، إلا بتعيين قائد للأمة، وعدم ترك الأمور للأقدار.
إن هذه المحاسبة الاجتماعية تهدينا إلى صحة نظرية التنصيص على القائد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولعل لهذه الجهة ولجهات أخرى طرح رسول الإسلام مسألة الخلافة في الأيام الأولى من ميلاد الرسالة الإسلامية، وظل يواصل طرحها والتذكير بها طوال حياته حتى الساعات الأخيرة منها، حيث عين خليفته ونص عليه بالنص القاطع الواضح الصريح في بدء دعوته، وفي نهايتها أيضا.
وإليك بيان كلا هذين المقامين:
1 - النبوة والإمامة توأمان:
بغض النظر عن الأدلة العقلية والفلسفية التي تثبت صحة الرأي الأول بصورة قطعية، هناك أخبار وروايات وردت في المصادر المعتبرة تثبت صحة الموقف والرأي الذي ذهب إليه علماء الشيعة وتصدقه، فقد نص النبي صلى الله عليه وآله وسلم على خليفته من بعده في الفترة النبوية من حياته مرارا وتكرارا، وأخرج موضوع الإمامة من محال الانتخاب الشعبي والرأي العام.
فهو لم يعين (ولم ينص على) خليفته ووصيه من بعده في أخريات حياته فحسب، بل بادر إلى التعريف بخليفته ووصيه في بدء الدعوة يوم لم ينضو تحت راية رسالته بعد سوى بضع عشرة من الأشخاص، وذلك يوم امر من جانب الله العلي القدير ان ينذر عشيرته الأقربين من العذاب الإلهي الأليم. وأن يدعوهم إلى عقيدة التوحيد قبل أن يصدع رسالته للجميع ويبدأ دعوته العامة للناس كافة.
فجمع أربعين رجلا من زعماء بني هاشم وبني المطلب، ثم وقف فيهم خطيبا فقال:
أيكم يؤازرني على هذا الأمر على ن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟.
فأحجم القوم، وقام علي - عليه السلام - وأعلن مؤازرته وتأييده له، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برقبته، والتفت إلى الحاضرين، وقال:
إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم (1).