إن لسان الآية وظاهرها يكشف عن أن الله تعالى ألقى على عاتق النبي صلى الله عليه وآله وسلم مسؤولية القيام بمهمة خطيرة، وأي امر أكثر خطورة من أن ينصب عليا - عليه السلام - لمقام الخلافة من بعده على مرأى ومسمع من مائة ألف شاهد؟!
من هنا أصدر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمره بالتوقف، فتوقف طلائع ذلك الموكب العظيم، والتحق بهم من تأخر.
لقد كان الوقت وقت الظهيرة، وكان المناخ حارا إلى درجة كبيرة جدا، وكان الشخص يضع قسما من عباءته فوق رأسه والقسم الآخر منها تحت قدميه، وصنع للنبي صلى الله عليه وآله وسلم مظلة وكانت عبارة عن عباءة ألقيت على أغصان شجرة (سمرة)، وصلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحاضرين الظهر جماعة وفيما كان الناس قد أحاطوا به صعد صلى الله عليه وآله وسلم على منبر أعد من أحداج الإبل وأقتابها، وخطب في الناس رافعا صوته، وهو يقول:
الحمد لله ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا الذي لا هادي لمن أضل، ولا مضل لمن هدى، وأشهد أن لا إله إلا هو، وأن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد: أيها الناس اني أوشك ان أدعى فأجيب، وأني مسؤول وأنتم مسؤولون فماذا أنتم قائلون؟
قالوا: نشهد أنك قد بلغت ونصحت وجهدت، فجزاك الله خيرا.
قال صلى الله عليه وآله وسلم: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن جنته حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور؟.
قالوا: بلى نشهد بذلك.
قال صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم اشهد.
ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: وإني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا.
فنادى مناد: بأبي أنت وأمي يا رسول الله وما الثقلان؟
قال صلى الله عليه وآله وسلم: كتاب الله سبب طرف بيد الله، وطرف بأيديكم، فتمسكوا به، والآخر عترتي، وان اللطيف الخبير نبأني إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا.
وهنا اخذ بيد علي - عليه السلام - ورفعها، حتى رؤي بياض إبطيهما، وعرفه الناس أجمعون ثم قال:
أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟
قالوا: الله ورسوله أعلم فقال صلى الله عليه وآله وسلم:
إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعلي مولاه (1).