إن من المستحيل أن تصدر أمثال هذه التضحيات التي كان أبرزها محاصرة بني هاشم جميعا في الشعب ومقاطعتهم القاسية من دافع غير الايمان العميق بالهدف والشغف الكبير بالمعنوية، الذي كان يتصف به أبو طالب، إذ لا تستطيع مجرد الوشائج العشائرية، وروابط القربى، أن توجد في الإنسان مثل هذه الروح التضحوية.
إن الدلائل على ايمان أبي طالب بدين ابن أخيه تبلغ من الوفرة والكثرة بحيث استقطبت اهتمام كل المحققين المنصفين والمحايدين، ولكن بعض المتعصبين توقف في إيمان تلك الشخصية المتفانية العظيمة، بالدعوة المحمدية، بينما تجاوز فريق هذا الحد إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث قالوا بأنه مات غير مؤمن.
ولو صحت عشر هذه الدلائل الدالة على ايمان أبي طالب الثابتة في كتب التاريخ والحديث، في حق رجل آخر لما شك أحد في ايمانه فضلا عن إسلامه، ولكن لا يعلم الإنسان لماذا لا تستطيع كل هذه الأدلة إقناع هذه الزمرة، وإنارة الحقيقة لهم؟!
هذا عن والد الإمام أمير المؤمنين - عليه السلام -.
وأما أمه فهي فاطمة بنت أسد بن هاشم وهي من السابقات إلى الإسلام والإيمان برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد كانت قبل ذلك تتبع ملة إبراهيم.
إنها المرأة الطاهرة التي لجأت - عند المخاض - إلى المسجد الحرام، وألصقت نفسها بجدار الكعبة وأخذت تقول:
يا رب إني مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب، وإني مصدقة بكلام جدي إبراهيم وانه بنى البيت العتيق، فبحق الذي بنى هذا البيت و (بحق) المولود الذي في بطني إلا ما يسرت علي ولادتي.
فدخلت فاطمة بنت أسد في الكعبة ووضعت عليا هناك (1).