البحث حول المهدي عجّل اللّه فرجه - السيد محمد باقر الصدر - ج ١ - الصفحة ٧٣
قدرة من الناحية النفسية (1) على مواجهتها والصمود في وجهها ومواصلة العمل ضدها حتى النصر.
ومن الواضح أن الحجم المطلوب من هذا الشعور النفسي يتناسب مع حجم التغيير نفسه، وما يراد القضاء عليه من حضارة وكيان، فكلما كانت المواجهة لكيان أكبر ولحضارة أرسخ وأشمخ تطلبت زخما أكبر من هذا الشعور النفسي المفعم.
ولما كانت رسالة اليوم الموعود تغيير عالم ملئ بالظلم وبالجور، تغييرا شاملا بكل قيمه الحضارية وكياناته المتنوعة، فمن الطبيعي أن تفتش هذه الرسالة عن شخص أكبر في شعوره النفسي من ذلك العالم كله، عن شخص ليس من مواليد ذلك العالم الذين نشأوا في ظل تلك الحضارة التي يراد تقويضها واستبدال حضارة العدل والحق بها، لأن من ينشأ في ظل حضارة راسخة، تعمر الدنيا بسلطانها وقيمها وأفكارها، يعيش في نفسه الشعور بالهيبة تجاهها، لأنه ولد وهي قائمة، ونشأ صغيرا وهي جبارة، وفتح عينيه على الدنيا فلم يجد سوى أوجهها المختلفة.
وخلافا لذلك، شخص يتوغل في التاريخ عاش الدنيا قبل أن ترى تلك الحضارة النور، ورأى الحضارات الكبيرة سادت العالم الواحدة تلو الأخرى ثم تداعت وانهارت (2)، رأى ذلك بعينيه ولم يقرأه في كتاب تاريخ..

(١) أن يكون القائد التاريخي مهيئا نفسيا ومعدا إعدادا مناسبا لأداء المهمة، أمر مفروغ منه، ولو رجعنا إلى القرآن الكريم لوجدناه يتحدث عن هذه المسألة في تاريخ الأنبياء بصورة واضحة جدا، وبخاصة فيما يتعلق بالنبي نوح (عليه السلام)، وهو أمر يلفت الانتباه والنظر، وربما يكون للتشابه والاتفاق في الدور والمهمة التي أوكلت لهما، كما نبه الشهيد الصدر (رضي الله عنه) إليه.
راجع: مع الأنبياء / عفيف عبد الفتاح طبارة.
(2) ويمكن أن نقرب هذا المعنى بما عشناه وشاهدناه من صعود الاتحاد السوفيتي وترقيه حتى صار القطب الثاني في العالم، وتقاسم هو وأمريكا النفوذ الحضاري والهيمنة السياسية، وركبا معا أجواء الفضاء، ثم شهدنا انهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك أوصاله بمثل تلك السرعة القياسية في الانهيار، فكم كان لذلك من أثر؟ وكم كان فيه من عبرة؟ وكم فيه من دلالة عميقة؟
(٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 ... » »»