البحث حول المهدي عجّل اللّه فرجه - السيد محمد باقر الصدر - ج ١ - الصفحة ٧٧
تكون في الروح العامة ومن ناحية المبدأ إلى الحالة الحضارية التي يتجه اليوم الموعود إلى تحقيقها بقيادته (1).

(1) ولا ينبغي أن يشكل أحد بأن النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) مع عالمية رسالته ومهمته التغييرية الكبرى إلا أنه عاش في كنف الحضارة الجاهلية، ولم يتأثر بها، وكذا الأنبياء السابقون، فما هو الوجه في هذا الرأي؟
فجوابه:
أ - إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أخضع فعلا إلى حالة عزلة تامة عن الحضارة الجاهلية، وأنه كما ورد في السيرة النبوية قد حبب إليه الخلاء، وكان يذهب إلى غار حراء يتحنث فيه وكذا الأنبياء كانوا يتنزهون عما عليه مجتمعهم، وكانوا يعتزلون، وإليه الإشارة في قوله تعالى: (فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق) مريم: 49.
ب - إن النبي المرسل يوحى إليه، ويسدد مباشرة من السماء، ويبلغ بالأعمال والخطوات التي يتخذها خطوة خطوة، والإمام (عليه السلام) لا يوحى إليه - كما هو عقيدة الإمامية - ولا يبلغ بالأمور مباشرة من السماء، نعم يكون مسددا وتحت العناية الربانية، ولذلك فهو يحتاج إلى إعداد خاص. ففي نفس الوقت الذي يكون فيه قريبا ومتصلا بالحضارة الإسلامية، مستمدا من آبائه (عليهم السلام) الأصالة والمعرفة والعلم، يكون مطلعا على التجارب البشرية والحضارات في صعودها وعوامل تكونها وقوتها، وكذلك إخفاقاتها وعوامل ضعفها وانهيارها، فيستمد الخبرة والقدرة والإحاطة بالأمور جميعا، هذا مع اعتقادنا بقدرات الإمام العلمية الذاتية التي وهبها الله تعالى له، وبكونه مسددا من السماء، كما سيتوضح في المبحث الرابع.
(٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 ... » »»