البحث حول المهدي عجّل اللّه فرجه - السيد محمد باقر الصدر - ج ١ - الصفحة ٧٥
الأسباب فيزول، فلا يبقى منه شئ كما لم يكن يوجد منه شئ بالأمس القريب أو البعيد، وأن الأعمار التاريخية للحضارات والكيانات مهما طالت فهي ليست إلا أياما قصيرة في عمر التاريخ الطويل.
هل قرأت سورة الكهف؟
وهل قرأت عن أولئك الفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم الله هدى (1)؟
وواجهوا كيانا وثنيا حاكما، لا يرحم ولا يتردد في خنق أي بذرة من بذور التوحيد والارتفاع عن وحدة الشرك، فضاقت نفوسهم ودب إليها اليأس وسدت منافذ الأمل أمام أعينهم، ولجأوا إلى الكهف يطلبون من الله حلا لمشكلتهم بعد أن أعيتهم الحلول، وكبر في نفوسهم أن يظل الباطل يحكم ويظلم ويقهر الحق ويصفى كل من يخفق قلبه للحق.
هل تعلم ماذا صنع الله تعالى بهم؟
إنه أنامهم ثلاثمائة سنة وتسع سنين (2) في ذلك الكهف، ثم بعثهم من نومهم ودفع بهم إلى مسرح الحياة، بعد أن كان ذلك الكيان الذي بهرهم بقوته وظلمه قد تداعى وسقط، وأصبح تاريخا لا يرعب أحدا ولا يحرك ساكنا، كل ذلك لكي يشهد هؤلاء الفتية مصرع ذلك الباطل الذي كبر عليهم امتداده وقوته واستمراره، ويروا انتهاء أمره بأعينهم ويتصاغر الباطل في نفوسهم.
ولئن تحققت لأصحاب الكهف هذه الرؤية الواضحة بكل ما تحمل من زخم وشموخ نفسيين من خلال ذلك الحدث الفريد الذي مدد حياتهم ثلاثمائة سنة، فإن

(1) إشارة إلى الآية القرآنية المباركة: (إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى...) الكهف: 13، وراجع تفسيرها في الكشاف / الزمخشري 2: 706، نشر دار الكتاب العربي - بيروت.
(2) إشارة إلى الآية: (ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا...) الكهف: 25.
(٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 ... » »»